أيا منطق المادة ،، أيّ هوّة عميقة سحيقة قذفت بنا فيها !

[Aishah AL-farhah]

أيا منطق المادة ،، أيّ هوّة سحيقة عميقة قذفت بنا فيها؟
يقال المادة كل شيء ،، كل شيء على الإطلاق !
إذن لمَ كل الأنبياء كانوا رعاة غنم ، ومعنى راعي الغنم أنه يرعاها في البراري لتأكل الكلأ ، ولايملك أيّ رأس منها ، مامن نبيّ إلا وقد رعى الغنم ، إن كانت المادة كل شيء فألا يستحق الأنبياء أن يسخرها لهم الله ؟، ولكن الله ملأ أرواحهم باليقين والإيمان ، فكان ذلك مغنيًا لهم عن حاسيّات الدنيا ، وفر الله لهم مايقيم به صلبهم وحسب ، والله أحكم.
كيف استطاعوا أن يقوموا بأعظم رسالة في الكون وهم لم يملكوا أعظم شيء كما يدعيّ المدّعون ، لم يملكوا من المادة شيء ، بل ملكوا ماكان مقويّا لهم مصبرًا معززًا إنه الإيمان اليقين (الروح) الذي لا يعطى حسب المادة ، ولو كان للمادة حساب فأين قارون والنمرود وفرعون وكسرى الفرس وقيصر الروم وعاد وثمود من ذلك الاكتفاء الروحيّ رغم ماملكوه من مادة ، هل أغنت عنهم المادة التي ملكوها ، إنهم ما ستطاعوا أن يؤمنوا لهم حياة السعداء بمالهم ، لايُشترى ذلك العالم الروحي بما فيه من طمأنينة وسكينة وارتقاء وسمو بالمادة الرخيصة ، بل هو هبة من الله تعالى لمن أراد له الهدى والتقى ، وأيّما هبة .

يقال المادة غاية المسعى
إذن قامت دولة الخلافة التي حكمت الأرض من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق ، على ماذا قامت تلك الدولة ؟ على المادة ؟ لم تقم إلا بتلك الأرواح التي ملئت إيمانًا ويقينًا وصدقًا وحبًا لله ، فلن ينفع السيف بيد جبان الجِنان ، لمن يقول السيف كان وسيلة انتشار الإسلام .

يقال المادة منتهى كل شيء
إذن لمَ شرع الله الشرائع ، وأرسل الرسل ، وأنزل الكتب ، ليقيم الحال بالمادة ، أم يقيم حال المادة بما تحوي الأرواح ، إذن ماحاجتنا للإيمان والتصديق إن كان حالنا يقوم بالمادة ، ماحاجتنا للتصديق بما هو غائب عنا مادامت المادة التي هي كل شيء أمام أعيننا ، فلنصدق بوجودها وحسب ، لانحتاج أن نصدق بالنار ولا الجنة فالمادة تكفينا مادامت كل شيء وعليها وبها يقوم الحال ، نعمل لها ولأجلها
إن كانت المادة أهم من المعنى (الروح) ، فلما تبقى الروح ويفنى الجسد يوم القيامة ؟ كل مادة تفنى وتبقى الروح في عالم البرزخ ، أنحتاج للمال لكي نقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، نحتاج فقط إلى يقين إلى إيمان.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا ينظر إلى أجسادكم , ولا إلى صوركم , ولكن ينظر إلى قلوبكم )
لماذا القلب ، لأنه موطن الروح ، الروح لاتُرى لاتُحس ولكن أمرها عظيم
(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)
كتاب " الروح " لابن القيّم ، كتاب عظيم قرأته ذات يوم ، أنصحكم بقرائته .
قال الشاعر :
أقبل على النفس فاستكمل فضائلها // فأنت بالنفس لابالجسم إنسان

المادة الشكل المظهر الجسد يفنيها الموت ، نحن اليوم نعيش على أرض حملت على مر السنين رفات ملايين البشر ، فنوا بكل ماملكوا إن بقي منهم شيء فهي الروح في عالم البرزخ ، نسير على تلك الأرض ونأكل مما يُزرع فيها ، بشكل آخر نجلس على تلك الرفات ونتوسدها ونسير عليها ونمرح فوقها ، ثم يوما ما وليس ببعيد نصل إلى ماوصولوا إليه ونصبح معهم ويأتي من يعيش ويمرح علينا ولا يأبه بالمصير ، هذه هي المادة !

قال الله تعالى جل في علاه : {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}

المادة لايمكن أن تكون كل شيء ، بل يستحييييييييل أن تكون كل شيء ، إنه مرتكز خاطيء حينما نقول إن المادة كل شيء ، أساسٌ ، كل مايُبنى عليه يكون آيل للسقوط ، كأنما نبني على جرفٍ هارٍ ، فكيف يقرّ بناؤنا آنذاك ! وإن قرّ ، فإلى متى .

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها // إلاالتي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه // وإن بناها بشر خاب بانيها