لا شيء يستحق القرآءه

[أحـمـد ظـافـر]

( 1 )
تهاويمُ روحٍ تائهة .!
:


- آهٍ من عقلي الثرثار !..
المتطفلِ
والباحث خلف الأسوار !
يحملني لسماوات الرب السبع،
ويهوي بي عقلي
فوق علامات الاستفهام المقلوبـة ،
تخترقَ شِغافي
كخناجر غدرٍ منصوبة،
آهٍ زفراتي الحرى والأرق الوحش المستأسد !


أسئلتي أضخمُ من عقلي ،
هوجاءٌ كالريح الصافرة ولا تطرق بابي
تهجم دون استئذانٍ
تسرقني من غمرة نومي،
تغتال هدوئي وشبابي
وإجاباتي ترقد في بحر اللا أدري ..
في المنفى أو قعر البحرِ
أبعدُ من بُعد العدل عن القاضي الفاسد !

اسئلتي يزرعها شكي في حقل الإيمان ويضحك!
ضحكتهُ تشبه عربيداً
يترنّح ليلاً في الطرقات
و "يقيني" يبكي في سري،
يبكي في صوتٍ مخنوق
ينشج بالدمعِ
ولا أملك إلا أن أعطيه المنديل
وأمضي !
لم أعرف يوماً كيف أخلصهُ
من طغي شكوكي ،
هل يوماً ، شاهدتَ دموع الإيمان بربك ؟
تشبه أماً ملقاةً في أرضِ عقوق !

أفأضربُ رأسي بجدار السُكرِ لكي يهجع !
أأصب التلقين على نار الشك ولا أخضع !؟
تفكيري فأسٌ ملعون
يحطبني للخوف وللشك ولليقظة ..
والآن أشم شوائي فوق الجمر المُستفهِم تحتي...
.. فبربك أخبرني ما أصنع ؟



- " اكتب ! "

(2)

- آهٍ قلبي ورطة عمري
غرفة أسراري الـ لم يعرفها يوماً إنسان!
فيها حرفُ السين قريني ،
سينٌ كالشوكةِ تدميني ،
قلبي يا نبضاً كالطَرَقاتِ على باب الحزن
والحزنٌ لعينٌ جداً .. يفتح فوراً ،
لم يتركني عند الباب ولو لثوان !

قلبي يا قصصاً لم تُلمس ، أحبسُها فيّ ولا أنبس ..
تؤلمني لكن لا أحكي ،
تتوارى كالسوس المتواري في ضرسٍ يبكي ..
أبحثُ عني بين الناس ولا ألقاني
حجر ٌ مُلقى في جب الحب فمن ألقاني ؟
والدمع يخاتلني ليلاً
يطرد نومي من عرش العين ويستعمرها ..
وانا المصلوب على الأشجان !

أأمزق قلبي بالمبضع؟
أثقبه ثقباً كالهمزة ؟
أبحربةِ " وحشيّ " أبادرهُ ..ليطير شهيداً مع " حمزة "؟
بالله أجبني ما أصنع ؟


- " اكتب ! "

(3)

- ذاكرتي ،
آآآهٍ ذاكرتي ،
تتعطر دوماً بحنيني
لتخاتلني مابين الفينة والأخرى
/
:
:

ليس عدلاً !
ليس عدلاً يا حنيني
كلما ألفيتني فرِحاً
أتيتَ تسوقني للذكريات !
ليس عدلاً يا حنيني ..
كلما جادت سمائي قطرها ..
جئتَ تسعى بالوجوه الماضيات !

ليس عدلاً !
صارَ يُبكيني المطر ،
عدوىً تدبّ من الغيوم إلى البصر ..
وأروحُ أُطفِقُ بالدموع البائسات !

هدنةً بالله منك أعيذني باللهِ منك

خلّفتُ آلاف الملامح والوجوه وراء ظهري
وانطلقتْ ..
فإلى متى تجريء ورائي لاهثاً !

حتام تلحقني بأصوات الطفولة،
أصدقاء النخل، طشات السواقي ،
والسراجُ ضياء هاتيك القُرى

حتام تلحقني ببيت الطين،
والجد المسجّى،
والشيوخ الطيبين الطارقين على دروب الأرض دوماً بالعصا

حتام تلحقني برائحة المقابر
واشتعال السمر بعد صلاة مغربنا القديم !

لستُ أدري كيف أمضي ثم أنسى !
أفأسكب الماء الخبيث على انتباهاتي اللعينة كي أجنّ الآن أو أهذي
وينساني الحنين ؟
أم أقفزُ من شاهق برجٍ
كي أهوي أشلاءً غادرها استبداد الحزن/
أم ماذا لا تصمت أرجوك ..
فبربك أخبرني ما أصنع !


- " اكتب! "
:
:
/
/

(4)

- آثامي
آهٍ آثامي
و تردّم ذاتي في إثمي ..
أشعر أني الآن مُحاقٌ بعذابات الله
ومرتهنٌ لذنوبي
أرزح تحت جبال الذنب وأطنان الأخطاء اللا تُحصى
أشعر أني قلمٌ تبريه التوبة بعد التوبة حتى قلّ
سافرتُ كثيراً للتوبة في بيداء الله
زادي ندمٌ واستغفار
ودعاءاتٌ في الليل الساجي أرفعها
لكني أضعفُ من أمّارة سوئي
فقوافل شيطاني تعبر صحرايَ وتدعوني
وأنا بسذاجات شبابي أركبْ

أشعر أن العمر تسرب بين يديّ
أشعر أن الهم سمينٌ يقتات عليّ
أشعر أني رغم العشرين
ثمانيني

إني أغرق .. أوَتعرف ماذا تعني " أغرق " !
بالله أجبني ما أصنع ..

- " اكـتـب " !



(5)


إني أتهاوى ألماً
أترنّح وجعاً ..
إني أذبل
وتقول اكتب !
يا لنصائحك البلهاء وكراسة إرشاداتك هذه!


- " اكتب ! "

- فلتخرس..
تباً لتبلّد إحساسك !
أحتضر أمامك يا هذا، منسكبٌ حزني كالدلو المدلوق،
أسقط كشهابٍ يسقط في دنيا الليل ،والموتُ يطل عليّ من الشرفات ،
عزرائيل يخاتلني ما بين اللحظة والأخرى ، وتقول اكتب !

- " اكتب ! "

- تباً لك ..

- لابأس ،" اكتب "

- أكتب ماذا !

- اكتب ..
اكتب أحزانك بيراعك،
حبّرها وابعثها حرفاً
فالحرفُ دواء مآسينا ..
الحرفُ صديقك يا ولدي ..
ثرثر أحزانك للورقة
خذ قلماً وانفث الآمك
لا تنطق فالنطق عدو! لا تصمت فالصمت مميت
لكن اِكتب ..

فالقلم صديق متاهتنا،
القلم طبيبك صدقني
قسَماتُك يعلوها صدأ الحزن؟
اطرد صدأ الحزن بحرفك !
قلبك مملوءٌ بُغبار الصمت ؟
اغسل كل التُرَب بحبرك !
عقلك مضجوجٌ بسؤاله ؟
لا ترهن للشك وللخوف ، ابحث ليقينك عن مخرج
ثم اكتب رحلتك الحيرى!

إياك الصمت،
فالصمت مميتٌ يا ولدي !
إياك النطق ..
فالنطق حرامٌ في وطنك !
لكن اكتب ..
اكتب ثم اكتب ثم اكتب
لا أملك نصحاً يا ولدي غير " اكتب " هذه !
فالحرفُ دعاؤك يا قلِقاً
الحرف دعاء !
والحبر خلاصك ياأرِقاً
الحبر خلاص
خذ قلماً وانفث آلامك
ثرثر أسرارك للورقة !
وستُشفى ..يا ولدي حتماً !
و اذكرني ، إذ تُشفى يوماً ..

:

محاكاه لما أعيشه , منقول