اجمل مقال قرأته في حياتي .......... تحياتي للكاتب

[علي العسيري]

صحيفة الوطن السعودية

السبت 13 محرم 1430هـ الموافق 10 يناير 2009م العدد (3025) السنة التاسعة

تجارة الإحباط وتجارة المخدرات

عبدالله مغرم

*عندما يعمل الجميع بعزيمة وإخلاص وشرف دون أن يكونوا فاسدين إدارياً ولا يستطيعون تحقيق أبسط مقومات الحياة الكريمة لهم ولأفراد أسرهم كتملك منزل مثلاً ويرون الفاسدين إدارياً يمتلكون مقومات الحياة الكريمة من شراء منازل وسياحة حول العالم واستثمارات.. فهل تصنع مثل هذه الممارسات الحافز أم الإحباط لدى الشرفاء؟ الأكيد أنها تصنع الإحباط.
صحيح أن المجتمع لم يقف على عمليات الفساد الإداري ولكن عندما تكون مصادر دخلهم محدودة بالوظيفة وتتمتع مناصبهم بصلاحيات الموافقة أو التنفيذ أو الصرف وبين عشية وضحاها يصبحون من أصحاب الملايين.. فمن أين لهم هذا؟ هل هي هبة؟ ربما ولكن مِن مَن؟
ولا يهون طرف العملية الآخر وهم الراشون؟ فهم عليهم تقديم اللحم للشواء وعلى المرتشين تقديم التوابل والمقبلات.
لم تصنع هذه الممارسات الإحباط لدى الشرفاء فقط، بل تعدتهم وصنعت الإحباط لدى غير الشرفاء والمقتنعين اقتناعا كاملاً بأنهم بعيدون كل البعد عن النزاهة والشرف ولكنهم لم يستطيعوا أن يصلوا إلى مناصب يستطيعون من خلالها تحقيق حلم العمر.
المضحك المبكي أن هؤلاء الفاسدين هم قدوة الكثير من أفراد المجتمع للأسف، فهم من لديهم القدرة المادية لإقامة مناسبات على مدار العام ويتشرفون بدعوة النزيهين للحضور!! والذين قد تتسبب مثل هذه الممارسات في تندُمهم على عهد كانوا فيه شرفاء ونزيهين ولم يسعفهم ذلك في تأمين مستقبل جيد لهم ولأبنائهم.
نحن اليوم بحاجة إلى أن يؤدي الجميع القسم على الإخلاص في العمل ومن يخالف ذلك يحاسب بتهمة خيانة الأمانة.. نعم.. ليؤد الجميع القسم بمن فيهم المعلمون وأساتذة الجامعات وكافة موظفي القطاع العام، والخاص أيضاً إن رغب المستثمرون في ذلك، لأن كارثة الاقتصاد العالمي كانت نتيجة للفساد الإداري وبألوان فساد مختلفة.
*عندما يكون أمر من لا يملك واسطة أن يطبق عليه النظام بحذافيره وبعض الإضافات من باب الحيطة والحذر ودرء الشبهات حتى يحفظ للنظام كرامته، ويكون أمر من لديه واسطة أن يكون فوق النظام وأن الواسطة هي ثمن لعمر أفني في تكوين علاقات اجتماعية ليوم يحتاج إليها، وأن من يتعامل بالنظام تستغرق معاملاته وقتا طويلا لتنفيذها إذا انطبق عليها النظام.. فهل تصنع مثل هذه الممارسات غير الإحباط؟ وخصوصاً أن أغلب التعاملات اليومية يحتاج فيها الأفراد للنظام.
*عندما يمثل الموظف أنه يعمل بجد وإخلاص وأنه متفان في العمل ويقدم تقارير لغرض التلميع والإنجازات العظيمة والتي بكل تأكيد لم تتحقق في غير ثنايا التقرير ولكنه أتقن فن التمثيل ويجيد الكتابة والتأليف والتمثيل المسرحي وإخراج مسلسل العمل المدبلج ببراعة ويكون ثمن تمثيله نيله لثقة مديره والحصول على ترقيات متواترة والتي تؤثر على مسار العمل وعلى جودة الأعمال المنجزة نتيجة لعدم قدرته على تولي مهام المنصب، والنتيجة الطبيعية يكونون متخوفين من أي عمل جديد أو أي فكرة إبداعية، لأنها قد تتسبب في اهتزاز قد يقترب من كرسي المنصب وهي كفيلة بالتأثير بشكل سلبي على ثقافة العمل في المنظمة وتصنع الإحباط.
وثمن من يعمل بجد ويحاول توضيح مشاكل العمل وتدوينها بصدق والعمل على حلها أن يعيش حياة في المنصب ولفترات طويلة دون ترقية. فهل.. مثل هذه الممارسات تصنع غير الإحباط؟
الفرق بين التجارتين، الإحباط والمخدرات، أن تاجر المخدرات قد يقع في قبضة العدالة في أي لحظة وهو لا يستغرب من ذلك بينما تجار الإحباط يعيشون معنا ويستنشق أفراد المجتمع تلوث تصرفاتهم بشكل يومي وهم في معزل عن قبضة العدالة وحبل المشنقة لحرفيتهم في التملص منها.
ووجه الشبه بينهما أن تأثيرهما واحد وكليهما قاتل، فالإحباط يقتل الهمم وقتله نفسي، بينما المخدرات عضوي، وكلتا التجارتين تحقق أرباحا للمتاجرين بهما على حساب المجتمع، وعلى الوطن والأجيال القادمة دفع فاتورة هذه الممارسات للأسف.
إشكاليتنا الحقيقية أننا لم نطور أدوات نتمكن من خلالها من قياس وتقييم الأرباح والخسائر "العائد" بشكل رقمي من الممارسات اليومية مثل الإحباط ولم نقيم العائد على التعليم والإعلام والثقافة والفكر والعادات والتقاليد، وهي التي أنجبت أفرادا مقتنعين اقتناعا تاما بصحة ما يقومون به من ممارسات وحُقَ لهم نتيجة لعدم وجود أي دليل ملموس يوضح الخسائر المترتبة على ما يقومون به من ممارسات وهي التي أنجبت أفرادا يخالفونهم الرأي بخصوص ما يقومون به من ممارسات ومقتنعين بعدم صحتها وحُقَ لهم أيضاً لعدم وجود لغة أرقام واضحة تحدد مدى صحة الممارسات، وهي ما صنعت مجتمعا معظم أطيافه يؤمنون إيمانا كاملاً بأن ما يقومون به من ممارسات وأعمال صحيحة وعلى الجميع اتباعهم أو أنهم انحرفوا عن جادة الصواب.
ما سبق كان أبرز مشاهدات هذه التجارة غير النزيهة والتي تنجب بشكل لحظي عددا كبيرا من مشاهد الإحباط على مستوى بيئات الأعمال والتي تؤثر على الحياة الأسرية وعلى مظاهر الحياة الاجتماعية في المملكة والتي أثرت سلباً على نهضة الوطن، وهمم الشرفاء من أبناء الوطن وبناته، وهي بحاجة إلى تقييم تأثيرها ومكافحتها. والأكيد أن تجار الإحباط كالجزء المسرطن من الجسم يجب استئصاله حتى يتمكن أفراد المجتمع والوطن من الحياة باتزان نفسي، وتكون المبارزات بين أفراد المجتمع في الإبداع والتعلم والعمل بجد، وعندها سيتخلص المجتمع من حمل ثقيل التصق بكاهله لفترات طويلة نتيجة استغلال البعض لثقة لم يكونوا أهلاً لحملها ولكنها.."قدر الوطن والمجتمع".
قد يستغرق المجتمع وقتا طويلا للتخلص مما لصق به من شوائب على مر السنين.. فلا يهم، فلنبدأ اليوم في التنظيف والتعقيم والتطهير لتتمكن الأجيال القادمة من شق طريقهم وتتمكن من التفكير في واقعهم ومستقبلهم بعيداً عن الإحباط والنظر إلى فجر كل يوم جديد بشكل إيجابي مما يدعم نهضتهم ونهضة الوطن.
ثقتي كمواطن في قدرة المجتمع على التغيير الإيجابي كبيرة وهذا ما دفعني لأن أرصف هذه الكلمات إلى جوار بعضها، ولننتظر اليوم الذي لا نرى فيه هؤلاء التجار وعندها سيولد عصر جديد يدحر فيه الفاسدون ويحمي النظام النظام.

*كاتب سعودي
حقوق الطبع © محفوظة لصحيفة الوطن 2007

[LMoOo]

رائع

مشكور ع طرحكـ

0
0

[علي العسيري]

شاكر مرورك اختي ( لما )

تحياتي لك