InstagramTwitterSnapChat


 
وصف

العودة   منتديات سكاو > الأقسام الخاصة > الأقسام العامة > المنتدى الإسلامي
التسجيل مشاركات اليوم البحث
   
   


المنتدى الإسلامي المواضيع الدينية

صور من حياة الصحابة

المنتدى الإسلامي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
  #1  
قديم 22-02-2005, 10:46 AM

زهور الريف زهور الريف غير متواجد حالياً

مشرفة سابقة

 
تاريخ التسجيل: Dec 2003
التخصص: علوم الحاسبات
المشاركات: 247
افتراضي صور من حياة الصحابة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فالحياة بالنسبة للإنسان مدرسة يتعلم فيها الأخلاق والمعاملات والعبادات وكثيرة هي المدارس التي يتعلم منها المسلم فمن مدرسة الصيام التي يتعلم فيها المراقبة والقيام والوحدة الإسلامية وغيرها إلى مدرسة الشتاء الذي قيل عنه إنه فاكهة المسلم لأنه يقصر فيه النهار فيسهل فيه الصيام ويطول فيه الليل فيسهل عليه القيام . ومن هذه المدارس التي أغفلت عند كثير من الناس هي مدرسة الصحابة الذين تربوا و تتلمذوا على يد خير المعلمين صلى الله عليه و سلم فقد عاشوا حياة مستقيمة، لم يكونوا مثال البطولة في بدر و مؤتة واليرموك فقط، بل كانوا في كل صفحة من صفحات حياتهم مثالاً يُحتذى ، إذ نظموا حياتهم وعيروها لحساب الدار الآخرة، وكانت كل خطوة من خطواتهم في سبيل نيل الرضا الإلهي. فنحن نحبهم ونسأل الله أن يجمعنا بحبهم في جنته لذلك سوف أتطرق في هذا الموضوع إلى ذكر بعض الصحابة رضوان الله عليهم حتى نستفيد منهم و نقتدي بهم.
سعيد بن عامر الجمحي

كان الفتى سعيد بن عامر الجمحي ، واحداً من الآلاف المؤلفة ، الذين خرجوا إلى منطقة التنعيم في ظاهر مكة بدعوة من زعماء قريش ، ليشهدوا مصرع خبيب بن عدي أحد أصحاب محمد بعد أن ظفروا به غدراً.
و قد مكنه شبابه الموفور و فتوته المتدفقة من أن يزاحم الناس بالمناكب ، حتى حاذى شيوخ قريش من أمثال أبي سفيان بن حرب ، و صفوان بن أمية ، و غيرهما ممن يتصدرون الموكب.
و قد أتاح له ذلك أن يرى أسير قريش مكبلاً بقيوده ، و أكف النساء و الصبيان و الشبان تدفعه إلى ساحة الموت دفعاً ، لينتقموا من محمد في شخصه ، و ليثأروا لقتلاهم في بدر بقتله.
و لما وصلت هذه الجموع الحاشدة بأسيرها إلى المكان المعد لقتله ، وقف الفتى سعيد بن عامر الجمحي بقامته الممدودة يُطل على خبيب ، و هو يُقدم إلى خشبة الصلب ، و سمع صوته الثابت الهادئ من خلال صياح النسوة و الصبيان و هو يقول :
إن شئتم أن تتركوني أركع ركعتين قبل مصرعي فافعلوا ...
ثم نظر إليه ، و هو يستقبل الكعبة ، و يصلي ركعتين ، يا لحسنهما و يا لتمامهما ...
ثم رآه يقبل على زعماء القوم و يقول :
و الله لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جزعاً من الموت ؛ لاستكثرت من الصلاة ...
ثم شهد قومه بعيني رأسه و هم يمثِّلون بخبيب حياً ، فيقطعون من جسده القطعة تلو القطعة و هم يقولون له :
أتحب أن يكون محمد مكانك و أنت ناجٍ ؟
فيقول – و الدماء تنزف منه :
و الله ما أحب أن أكون آمناً وادعاً في أهلي و ولدي ، و أن محمداً يوخز بشوكة .. فيلوِّح الناس بأيديهم في الفضاء و يتعالى صياحهم : أن اقتلوه .. اقتلوه ..
ثم أبصر سعيد بن عامر خبيباً يرفع بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب و يقول :
اللهم أحصهم عدداً ، و اقتلهم بدداً ، و لا تغادر منهم أحداً ، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة ، و به ما لم يستطع إحصاءه من ضربات السيوف و طعنات الرماح.
عادت قريش إلى مكة ، و نسيت في زحمة الأحداث الجسام خبيباً و مصرعه .
لكن الفتى اليافع سعيد بن عامر الجمحي لم يغب خبيب عن خاطره لحظة.
كان يراه في حلمه إذا نام ، و يراه بخياله و هو مستيقظ ، و يمثل أمامه و هو يصلي ركعتيه الهادئتين المطمئنتين أمام خشبة الصلب ، و يسمع رنين صوته في أذنيه و هو يدعو على قريش ، فيخشى أن تصعقه صاعقة أو تخر عليه صخرة من السماء.
ثم إن خبيباً علّم سعيداً ما لم يكن يعلم من قبل ...
علّمه أن الحياة الحقة عقيدة و جهاد في سبيل العقيدة حتى الموت.
و علّمه أيضاً أن الإيمان الراسخ يفعل الأعاجيب ، و يصنع المعجزات.
و علّمه أمراً آخر ، هو أن الرجل الذي يحبه أصحابه كل هذا الحب إنما هو نبي مؤيد من السماء.
عند ذلك شرح الله صدر سعيد بن عامر إلى الإسلام ، فقام في ملأ من الناس ، و أعلن براءته من آثام قريش و أوزارها ، و خلعه لأصنامها و أوثانها و دخوله في دين الله.
هاجر سعيد بن عامر إلى المدينة و لزم رسول الله صلوات الله و سلامه عليه ، و شهد معه خيبر و ما بعدها من الغزوات.
و لما انتقل النبي الكريم إلى جوار ربه و هو راض عنه ، ظل من بعده سيفاً مسلولاً في أيدي خليفتيه أبي بكر و عمر ، و عاش مثلاً فريداً فذاً للمؤمن الذي اشترى الآخرة بالدنيا ، و آثر مرضاة الله و ثوابه على سائر رغبات النفس و شهوات الجسد.
و كان خليفتا رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرفان لسعيد بن عامر صدقه و تقواه ، و يستمعان إلى نصحه ، و يصغيان إلى قوله .
دخل على عمر بن الخطاب في أول خلافته فقال : يا عمر ، أوصيك أن تخشى الله في الناس ، و لا تخشى الناس في الله ، و ألا يخالف قولك فعلك فإن خير القول ما صدَّقه الفعل ...
يا عمر :
أقم وجهك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين و قريبهم ، و أحب لهم ما تحب لنفسك و أهل بيتك ، و اكره لهم ما تكره لنفسك و أهل بيتك ، و خض الغمرات إلى الحق و لا تخف في الله لومة لائم.
فقال عمر : و من يستطيع ذلك يا سعيد ؟!
فقال : يستطيعه رجل مثلك ممن ولاهم الله أمر أمة محمد صلى الله عليه و سلم ، و ليس بينه و بين الله أحد .
عند ذلك دعا عمر بن الخطاب سعيداً إلى مؤازرته و قال :
يا سعيد إنا مولوك على أهل حمص ، فقال :
يا عمر نشدتك الله ألا تفتني ، فغضب عمر و قال :
و يحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني !!
و الله لا أدعك ، ثم ولاه على حمص . و قال : ألا نفرض لك رزقاً ؟
قال : و ما أفعل به يا أمير المؤمنين ؟! فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ، ثم مضى إلى حمص.
و ما هو إلا قليل حتى وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل حمص ، فقال لهم :
اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم.
فرفعوا كتاباً فإذا فيه : فلان و فلان و سعيد بن عامر ، فقال : و من سعيد بن عامر ؟!
فقالوا : أميرنا.
قال : أميركم فقير ؟!
قالوا : نعم ، و والله إنه لتمر عليه الأيام الطوال و لا يوقد في بيته نار.
فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته ، ثم عمد إلى ألف دينار فجعلها في صرّة و قال :
اقرؤوا عليه السلام مني و قولوا له :
بعث إليك أمير المؤمنين بهذا المال لتستعين به على قضاء حاجاتك.
جاء الوفد لسعيد بالصرّة فنظر إليها فإذا هي دنانير ، فجعل يبعدها عنه و هو يقول :
إنا لله و إنا إليه راجعون – كأنما نزلت به نازلة أو حل بساحته خطب – فهبَّت زوجته مذعورة و قالت :
ما شأنك يا سعيد ؟!
أمات أمير المؤمنين ؟!
قال : بل أعظم من ذلك ،
قالت : أأصيب المسلمون في وقعة ؟؟
قال : بل أعظم من ذلك .
قالت : و ما أعظم من ذلك ؟!
قال : دخلت عليّ الدنيا لتفسد آخرتي ، و حلت الفتنة في بيتي .
قالت : تخلص منها – و هي لا تدري من أمر الدنانير شيئاً –
قال : أو تعينيني على ذلك ؟
قالت : نعم.
فأخذ الدنانير فجعلها في صرر ثم وزعها على فقراء المسلمين.
لم يمض على ذلك وقت طويل حتى أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها فلما نزل بحمص – و كانت تُدعى : الكويفة ؛ و هو تصغير للكوفة و تشبيهٌ لحمص بها لكثرة شكوى أهلها من عمالهم و ولاتهم كما كان يفعل أهل الكوفة – فلما نزل بها لقيه أهلها للسلام عليه فقال :
كيف وجدتم أميركم ؟ فشكوه إليه و ذكروا أربعاً من أفعاله ، كل واحدٍ منها أعظم من الآخر.
قال عمر : فجمعت بينه و بينهم ، و دعوت الله ألا يخيب ظني فيه ؛ فقد كنت عظيم الثقة به .
فلما أصبحوا عندي هم و أميرهم ، قلت :
ما تشكون من أميركم ؟
قالوا : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار ،
فقلت : و ما تقول في ذلك يا سعيد ؟ فسكت قليلاً ثم قال :
و الله إني أكره أن أقول ذلك ، أما و إنه لا بد منه ، فإنه ليس لأهلي خادم ، فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم ، ثم أتريث قليلاً حتى يختمر ، ثم أخبزه لهم ، ثم أتوضأ و أخرج للناس.
قال عمر :
فقلت لهم : و ما تشكون منه أيضاً ؟
قالوا : إنه لا يجيب أحداً بليلٍ.
قلت : و ما تقول في ذلك يا سعيد ؟
قال : إني و الله أكره أن أعلن هذا أيضاً .
فأنا قد جعلت النهار لهم و الليل لله عز وجل.
قلت : و ما تشكون منه أيضاً ؟
قالوا : إنه لا يخرج إلينا يوماً في الشهر ،
قلت : و ما هذا يا سعيد ؟
قال : ليس لي خادم يا أمير المؤمنين ، و ليس عندي ثياب غير التي علّي ، فأنا أغسلها في الشهر مرة و انتظرها حتى تجف ، ثم أخرج إليهم في آخر النهار.
ثم قلت : و ما تشكون منه أيضاً ؟
قالوا : تصيبه من حينٍ إلى آخر غشيةٌ فيغيب عمن في مجلسه ،
فقلت : و ما هذا يا سعيد ؟
فقال : شهدت مصرع خبيب بن عدي و أنا مشرك ، و رأيت قريشاً تُقطِّع جسده و هي تقول :
أتحب أن يكون محمد مكانك ؟
فيقول : و الله ما أحب أن أكون آمناً في أهلي و ولدي ، و أن محمداً تشوكه شوكة ... و إني و الله ما ذكرت ذلك اليوم و كيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي ...
و أصابتني تلك الغشية.
عند ذلك قال عمر :
الحمد لله الذي لم يخيِّب ظني به.
ثم بعث له بألف دينار ليستعين بها على حاجته.
فلما رأتها زوجته قالت له :
الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك ، اشتر لنا مؤنة و استأجر لنا خادماً فقال لها :
و هل لك فيما هو خير من ذلك ؟
قالت : و ما ذاك ؟!
قال : ندفعها إلى من يأتينا بها ، و نحن أحوج ما نكون إليها .
قالت : و ما ذاك ؟!
قال : نقرضها الله قرضاً حسناً.
قالت : نعم ، و جُزيت خيراً.
فما غادر مجلسه الذي هو فيه حتى جعل الدنانير في صرر، و قال لواحدٍ من أهله :
انطلق بها إلى أرملة فلان ، و إلى أيتام فلان و إلى مساكين آل فلان و إلى معوزي آل فلان.
رضي الله عن سعيد بن عامر الجمحي فقد كان من الذين يؤثرون على أنفسهم و لو كانت بهم خصاصة.

المصدر : كتاب صور من حياة الصحابة للصف الأول المتوسط

 


توقيع زهور الريف  

 

رد مع اقتباس

 

منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 06-03-2005, 03:30 AM   #2

زهور الريف

مشرفة سابقة

 
تاريخ التسجيل: Dec 2003
التخصص: علوم الحاسبات
المشاركات: 247
افتراضي

أبو أيوب الأنصاري


كان الرسول عليه السلام يدخل المدينة مختتما بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة، ومستهلا أيامه المباركة في دار الهجرة التي ادّخر لها القدر ما لم يدخره لمثلها في دنيا الناس..

وسار الرسول وسط الجموع التي اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة، ومحبة وشوقا... ممتطيا ظهر ناقته التي تزاحم الناس حول زمامها كل يريد أن يستضيف رسول الله..
وبلغ الموكب دور بني سالم بن عوف، فاعترضوا طريق الناقة قائلين:

" يا رسول الله، أقم عندنا، فلدينا العدد والعدة والمنعة"..

ويجيبهم الرسول وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة:

" خلوا سبيلها فانها مأمورة".

ويبلغ الموكب دور بني بياضة، فحيّ بني ساعدة، فحي بني الحارث بن الخزرج، فحي عدي بن النجار.. وكل بني قبيل من هؤلاء يعترض سبيل الناقة، وملحين أن يسعدهم النبي عليه الصلاة والسلام بالنزول في دورهم.. والنبي يجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة:

" خلوا سبيلها فانها مأمورة..



لقد ترك النبي للمقادير اختيار مكان نزوله حيث سيكون لها المنزل خطره وجلاله.. ففوق أرضه سينهض المسجد الذي تنطلق منه الى الدنيا بأسرها كلمات الله ونوره.. والى جواره ستقوم حجرة أو حدرات من طين وطوب.. ليس بها من متاع الدنيا سوى كفاف، أو أطياف كفاف!! سيسكنها معلم، ورسول جاء لينفخ الحياة في روحها الهامد. وليمنح كل شرفها وسلامها للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.. للذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم.. وللذين أخلصوا دينهم للله.. للذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون.

أجل كان الرسول عليه الصلاة والسلام ممعنا في ترك هذا الاختيار للقدر الذي يقود خطاه..

من اجل هذا، ترك هو أيضا زمام ناقته وأرسله، فلا هو يثني به عنقها ولا يستوقف خطاها.. وتوجه الى الله بقلبه، وابتهل اليه بلسانه:

" اللهم خر لي، واختر لي"..

وأمام دار بني مالك بن النجار بركت الناقة.. ثم نهضت وطوّفت بالمكان، ثم عادت الى مبركها الأول، وألأقت جرانها. واستقرت في مكانها ونزل الرسول للدخول.. وتبعه رسول الله يخف به اليمن والبركة..

أتدرون من كان هذا السعيدالموعود الذي بركت الناقة أمام داره، وصار الرسول ضيفه، ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظه الوافية..؟؟

انه بطل حديثنا هذا.. أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد، حفيد مالك بن النجار..

لم يكن هذا أول لقاء لأبي أيوب مع رسول الله..

فمن قبل، وحين خرج وفد المدينة لمبايعة الرسول في مكة تلك البيعة المباركة المعروفة بـ بيعة العقبة الثانية.. كان أبو أيوب الأنصاري بين السبعين مؤمنا الذين شدّوا أيمانهم على يمين الرسول مبايعين، مناصرين.



والآن رسول الله يشرف المدينة، ويتخذها عاصمة لدين الله، فان الحظوظ الوافية لأبي أيوب جعلت من داره أول دار يسكنها المهاجر العظيم، والرسول الكريم.

ولقد آثر الرسول أن ينزل في دورها الأول.. ولكن ما كاد أبو أيوب يصعد الى غرفته في الدور العلوي حتى أخذته الرجفة، ولم يستطع أن يتصوّر نفسه قائما أو نائما، وفي مكان أعلى من المكان الذي يقوم فيه رسول الله وينام..!!

وراح يلح على النبي ويرجوه ان ينتقل الى طابق الدور الأعلى فاستجاب النبي لرجائه..

ولسوف يمكث النبي بها حتى يتمّ المسجد، وبناء حجرة له بجواره..

ومنذ بدأت قريش تتنمّر للاسلام وتشن اغاراتها على دار الهجرة بالمدينة، وتؤلب القبائل، وتجيش الجيوش لتطفئ نور الله..

منذ تلك البداية، واحترف أبو أيوب صناعة الجهاد في سبيل الله.

ففي بدر، وأحد والخندق، وفي كل المشاهد والمغازي، كان البطل هناك بائعا نفسه وماله لله رب العالمين..

وبعد وفاة الرسول، لم يتخلف عن معركة كتب على المسلمين أن يخوضوها، مهما يكن بعد الشقة، وفداحة المشقة..!

وكان شعاره الذي يردده دائما، في ليله ونهاره.. في جهره واسراره.. قول الله تعالى:

( انفروا خفافا وثقالا)..

مرة واحدة.. تخلف عن جيش جعل الخليفة أميره واحدا من شباب المسلمين، ولم يقتنع أبو أيوب بامارته.

مرة واحدة لا غير.. مع هذا فان الندم على موقفه هذا ظل يزلزل نفسه، ويقول:

" ما عليّ من استعمل عليّ"..؟؟

ثم لم يفته بعد ذلك قتال!!



كان حسبه أن يعيش جنديا في جيش الاسلام، يقاتل تحت رايته، ويذود عن حرمته..

ولما وقع الخلاف بين علي ومعاوية، وقف مع علي في غير تردد، لأنه الامام الذي أعطي بيعة المسلمين.. ولما استشهد وانتهت الخلافة لمعاوية وقف أبو أيوب بنفسه الزاهدة، الصامدة التقية لا يرجو من الدنيا سوى أن يضل له مكان فوق أرض الوغى، وبين صفوف المجاهدين..

وهكذا، لم يكد يبصر جيش الاسلام يتحرك صوب القسطنطينية حتى ركب فرسه، وحمل سيفه، وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالما حنّ اليه واشتاق..!!



وفي هذه المعركة أصيب.

وذهب قائد جيشه ليعوده، وكانت أنفاسه تسابق أشواقه الى لقاء الله..

فسأله القائد، وكان يزيد بن معاوية:

" ما حاجتك أبا أيوب"؟

ترى، هل فينا من يستطيع أن يتصوّر أو يتخيّل ماذا كانت حاجة أبا أيوب..؟

كلا.. فقد كانت حاجته وهو يجود بروحه شيئا يعجز ويعيي كل تصوّر، وكل تخيّل لبني الانسان..!!

لقد طلب من يزيد، اذا هو مات أن يحمل جثمانه فوق فرسه، ويمضي به الى أبعد مسافة ممكنة في أرض العدو، وهنالك يدفنه، ثم يزحف بجيشه على طول هذا الطريق، حتى يسمع وقع حوافر خيل المسلمين فوق قبره، فيدرك آنئذ أنهم قد أدركوا ما يبتغون من نصر وفوز..!!

أتحسبون هذا شعرا..؟

لا.. ولا هو بخيال، بل واقع، وحق شهدته الدنيا ذات يوم، ووقفت تحدق بعينيها، وبأذنيها، لا تكاد تصدق ما تسمع وترى..!!

ولقد أنجز يزيد وصيّة أبي أيوب..

وفي قلب القسطنطينية، وهي اليوم اسطانبول، ثوى جثمان رجل عظيم، جدّ عظيم..!!



وحتى قبل أن يغمر الاسلام تلك البقاع، كان أهل القسطنطينية من الروم، ينظرون الى أبي أيوب في قبره نظرتهم الى قدّيس...

وانك لتعجب اذ ترى جميع المؤرخين الذين يسجلون تلك الوقائع ويقولون:

" وكان الروم يتعاهدون قبره، ويزورونه.. ويستسقون به اذا قحطوا"..!!



وعلى الرغم من المعارك التي انتظمت حياة أبي أيوب، والتي لم تكن تمهله ليضع سيفه ويستريح، على الرغم من ذلك، فان حياته كانت هادئة، نديّة كنسيم الفجر..



ذلك انه سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا فوعاه:

" واذا صليت فصل صلاة مودّع..

ولا تكلمن الناس بكلام تعتذر منه..

والزم اليأس مما في أيدي الناس"...

وهكذا لم يخض في لسانه فتنة..

ولم تهف نفسه الى مطمع..

وقضى حياته في أشواق عابد، وعزوف مودّع..

فلما جاء أجله، لم يكن له في طول الدنيا وعرضها من حاجة سوى تلك الأمنية التي تشبه حياته في بطولتها وعظمتها:

" اذهبوا بجثماني بعيدا.. بعيدا.. في ارض الروم ثم ادفنوني هناك"...

كان يؤمن بالنصر، وكان يرى بنور بصيرته هذه البقاع، وقد أخذت مكانها بين واحات الاسلام، ودخلت مجال نوره وضيائه..

ومن ثمّ أراد أن يكون مثواه الأخير هناك، في عاصمة تلك البلاد، حيث ستكون المعركة الأخيرة الفاصلة، وحيث يستطيع تحت ثراه الطيّب، أن يتابع جيوش الاسلام في زحفها، فيسمع خفق أعلامها، وصهيل خيلها، ووقع أقدامها، وصصلة سيوفها..!!

وانه اليوم لثاو هناك..

لا يسمع صلصلة السيوف، ولا صهيل الخيول..

قد قضي الأمر، واستوت على الجوديّ من أمد بعيد..

لكنه يسمع كل يوم من صبحه الى مسائه، روعة الأذان المنطلق من المآذن المشرّعة في الأفق..

أن:

الله أكبر..

الله أكبر..

وتجيب روحه المغتبطة في دار خلدها، وسنا مجدها:

هذا ما وعدنا الله ورسوله

وصدق الله ورسوله....

 


التعديل الأخير تم بواسطة زهور الريف ; 06-03-2005 الساعة 03:43 AM.
زهور الريف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


الساعة الآن 05:18 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

أن كل ما ينشر في المنتدى لا يمثل رأي الإدارة وانما يمثل رأي أصحابها

جميع الحقوق محفوظة لشبكة سكاو

2003-2023