خربشات 4 ... بقلم ابوالحمزة

[ابوالحمزة]

حي الهنداوية بجدة : بقلم ومن خيال أبو الحمزة:

يروى أنه قديما قبل أكثر منثمانين عام , في أرض الحجاز وبالتحديد في عروس البحر الأحمر , مدينة جدة . كانتتعيش هناك فتاة يتيمة الأم , فائقة الحسن والجمال تدعى فاطمة. وكانت فاطمة تعيش فيمنزل والدها وزوجته وإخوتها من أبيها . وكانت حياتها مليئة بالبؤس والحرمان , حيثكانت زوجة أبيها تعاملها معاملة الخادمة وتكلفّها بجميع الأعمال المنزلية الشاقةبينما ينعم أخواتها الأخريات بالراحة والدلع والحنان. وبالإضافة لأعمال المنزلالداخلية , كانت تقوم فاطمة بشراء حاجيات المنزل من البقالة القريبة من بيتهم والتييعمل بها شاب هندي يدعى أرفند كومار شرما , وكان كومار هذا يعطف على فاطمة كثيراوكان دائما يقدم لها بعض الهدايا البسيطة من بقالته كالحلويات والمشروبات وغيرهاومع الوقت نشأت قصة حب عفيفة بين كومار وفاطمة أو فتّو كما يحلو لكومار أن يناديهابه , وأستمرت العلاقة العذرية بينهما مدة من الزمن إلى أن جاء يوم قرر فيه كومارمصارحة حبيبته فتّو برغبته بالزواج منها, فوافقت فاطمة على الزواج شريطة أن يشهرإسلامه, فأسلم كومار على الفور وحسن إسلامه.فأستأذن كومار من حبيبته أن تمهله بعضالوقت لكي يراسل أهله في الهند ويطلب منهم مباركة زواجه. وفي تلك الأثناء حدثتتغيرات سياسية عظيمة في الحجاز حيث أنتهى حكم الأشراف وانضم الحجاز لحكم ال سعود فيعام 1351 ه فيما يعرف بالمملكة العربية السعودية . وحينها أقدمت الدولة الفتية علىإستحداث مجموعة من الإجراءات التنظيمية الضرورية للدولة من ضمنها نظام الجنسيةوالإقامة للمواطنين والمقيمين.حيث أصدرت الحكومة مرسوما ملكيا يحث المواطنينوالمقيمين بالإسراع بتعديل أوضاعهم , ونشر ذلك المرسوم في كافة الصحف والإذاعاتالمسموعة كما أرسلت المنادين للشوارع والأزقة ليقرأوا على مسامع الناس مضمونالمرسوم وحث الناس للإستجابة الفورية. وكان هؤلاء المنادين يمرّون من أمام بقالةكومار ذهابا وإيابا لكن كومار لم يكترث بالأمر! .وبعد إنتهاء المدة الممنوحةللتصحيح , بادرت مديرية الجوازات بالقيام بأول حملة تفتيش في تاريخها ومع الأسفالشديد كان كومار اول المتضررين حيث توجهت لبقالته الحملة وأقتادوه لشاحنةالمخالفين . وفي هذه الأثناء كانت فاطمة كعادتها متجهة إلى بقالة حبيبها كومارلشراء بعض الحاجيات فرأت ماجرى فأسرعت نحو الشاحنة لإنقاذ حبيبها لكن مع الأسف وصلتمتأخرة و تحركت الشاحنة بسرعة فهرولت خلفها محاولة إنقاذه وهي تصرخ كوماااااار .. كومااااار وهو يناديها فتتوووو .. فتتوووو إلى أن سقطت فاطمة على الأرض من شدةالإرهاق . وفي صباح اليوم التالي ذهبت مع أحد الجيران إلى مقر الجوازات وهناك ألتقتبالضابط المسؤل وحكت له معاناتها في الحياة وأخبرته بحبها لكومار وأنهما كانا علىوشك الزواج قريبا . لكن الضابط أعتذر لها وأخبرها أنه ليس بوسعه عمل أي شئ لها , وأنه لايستطيع مخالفة الأوامر وأنه سيتم ترحيل كومار غدا صباحا ووقتها أنهارت فاطمةبالبكاء الشديد. وفي هذه الأثناء أراد الضابط مساعدتها بطريقته الخاصة حيث شعربفقرها وبؤسها الشديد , فقرر أن يدرج إسمها في نظام الضمان الإجتماعي لتحسين وضعهاالمعيشي . فأخرج سجلّ الضمان الإجتماعي من درج مكتبه وبدأ يملأ بياناتها وعندما وصلإلى خانة مكان الإقامة سألها أين تقيمين ؟ وفجأة سكتت عن البكاء ظنا منها أن الضابطيسألها عن مكان الإقامة التي تريده؟ فصاحت بشوق ولهفة والعبرة تكاد تخنقها " الهندوياه .. الهند وياه .. الهند وياه " فأكمل الضابط البيانات وطلب من فاطمة العودةلبيتها فعادت فتّو إلى بيت أبيها وزوجته الشريرة وعاشت على ذكرى حبيبها كومار علىأمل أن يعود في يوم ما . ومنذ ذلك اليوم يسمى الحي الذي تسكن فيه فاطمة أو" سندريلاجدة " كما يحلو لأهل جدة أن يلقبوها به بحي " الهنداوية ".