حديث الجمعة : من يكتب التاريخ ؟

[خط من الضوء]

[CENTER]

حديث الجمعة
23.. ( من يكتب التاريخ ؟!)
هو الكتاب الذي يكتبه دائما الواثقون من أنفسهم
إنه مئات الكلمات الرنانة .. وأكوام من أحرف الغرور
هناك الكثيرون لذتهم في التفوق والمجد والشموخ لا تُشبع
تلك العظمة وتلك القوة التي يتعاطها هؤلاء كل ليلة
ولا يستطيعون النوم ولا يتذوقون طعم الراحة إلا على هذا المخدر
حياتهم فيها كلها انتصارات ولا يهزمهم ويذلهم فيها إلا الموت وحده
إنهم حقيقيون لا يطلبون إلا الأعالي
ولو كان طريق الأعالي مرصوف بالدم وبالنار وبالشوك
صقور حقيقيون يبحثون عن القمم فقط ليقفوا عليها
لا يوجد في الحياة طريق عكسي أمامهم ..
إنها إلارادة والقانون والقيم الوحيدة التي يعيشونها
فالإنسان محكوم بغروره لأنها ضرورة الوجود
وهو الخطوة الصغيرة للإنسانية الكبيرة
بينما هناك آخرون يقبعون في مخابئهم .. ويقفلون أبوابهم عليهم
ويلقون بطموحاتهم وغرورهم من نوافذهم الشامخة
و يموتون وتموت معهم أرائهم ولن يذكر التاريخ لهم شيء
وكيف يدون التاريخ بدون عين تجيد النظر وأذن تحسن السمع
وأرجل تعرف كيف وأين تمشي
تذكرت قصة قرأتها عن الموسيقار بيتهوفن
بينما كان يمشى مع أمير الشعراء الألمان جيته
وقد مر بهما موكب الإمبراطور وبعضا من الأمراء
والذي توقف قليلا لتحية أعظم رجلين في زمانهما
فقام جيته بالانحناء طويلا ، أما موسيقارنا العظيم لم يتحرك من مكانه
وقد أحكم قبعته تماما ..
فبادره بيتهوفن قائلا : كيف تفعل ما فعلت .. هل نسيت من أنت ؟
فأجابه جيته : أعرف من أنا وأعرف من هو ؟
فقال عبارته الشهيرة : أما أنا فأعرف أن في الدنيا عشرات الملوك ومئات الأمراء ولكن لا يوجد إلا بيتهوفن واحد
الرغبة في الشموخ هي وحدها الرغبة المستترة
خلف هذا الإلهام الموسيقي الخالد
وخلف كل عالم .. وكل مخترع .. وكل فنان .. وكل أديب
وكل صاحب رسالة وصاحب منهج وصاحب طريقة
كلنا غرور ..فالغرور هو الذي يبقينا نطير في السماء
وهو الذي يدفع بنا إلى السير في الطرقات بسرعة
هذه الدوافع التي تحركنا هي الطموح وهي الغرور
وما نجاحاتنا إلا وقود من الغرور
علينا أن نستمدها من ثقتنا القوية بالله عز وجل
وإيماننا القوي بأنفسنا واعتقاداتنا
حتى هذه الثقة التي اكتب بها مقالي ما هي إلا غرور
أنا مغرورة حتى بمقالي هذا وأنت مغرور أيضاً
فهناك الكثيرون يرون وجوههم على صفحات المياه وأنا أراه على صفحات الورق
ولا أراه لوحدي بل يراه معي الكثيرون
جميل هو اعترافنا بهذا الغرور النافع
بدل من اندفاعنا في الغرور الكاذب
الآن هل أنت تعترف بغرورك أيضا ؟!
أرجو ذلك .. كي نكتب تاريخاً لا يمحى
بقلم الكاتبة
خط من الضوء إيمان 1430هـ