InstagramTwitterSnapChat


 
وصف

العودة   منتديات سكاو > الأقسام الخاصة > الأقسام العامة > منتدى بقلمي
التسجيل مشاركات اليوم البحث
   
   


منتدى بقلمي المقالات والموضوعات بـ أقلام الأعضاء فقط .

من شرفة بيتي

منتدى بقلمي

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
  #1  
قديم 24-12-2010, 02:07 AM
الصورة الرمزية AMINWALID

AMINWALID AMINWALID غير متواجد حالياً

جامعي

 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
التخصص: الاداب
نوع الدراسة: تعليم عن بعد
المستوى: معتذر
الجنس: ذكر
المشاركات: 27
افتراضي من شرفة بيتي





من شرفة بيتي












اخترت مساء اليوم الاستعاضة عن جلسة مقهى الحي بين الأصدقاء ، بالانزواء في أحد أركان شرفة بيتي .

قصد التفرغ لإتمام قراءة الكتاب الذي شرعت في تصفحه منذ مدة ، ولا زلت لم أتمكن من ختمه .

ركنت إلى مقعد بجوار مزهرية ضخمة ، تتوسطها شجرة جميلة ناشئة .

تحكي بخضرة أغصانها بهجة الحياة الناعمة السعيدة .

تقاوم بصمود وتحد كل ألوان تقلبات الطبيعة وتحاكيها .


تمثل أدق تفاصيل الحياة في أجل معانيها وأوضح صورها .

عدت إلى كتابي ، قلبته يمنة ويسرة ، أعدت قراءة عنوانه :

" رواية عائد إلى حيفا "

رفعت الكتاب وجذبت دفته الأولى .

رميته بسهامي فتجاوزته إلى ما تفضي إليه شرفة بيتي .

شوارع ممتدة بعيدة النهاية .

صفوف مصابيح الإنارة مصطفة على جنبات المسالك.

بنايات شاهقة مترامية هنا وهناك . تتخللها حدائق وملاعب ومنتزهات .


انشغلت عن هذا وذاك ، بتتبع حركة السير بملتقى الشارعين المتقاطعين عند ركن المجمع السكني الذي أنتمي إليه .

وكأني أشاهدها لأول مرة في حياتي .


حركة منضبطة بإشارات مصابيح كهربائية .

ملتزمة بالاستجابة لوصول التيار ونوع اللون الذي يصدره .

قوافل السيارات وأفواج الراجلين تتناوب الحق وتنصاع بتلقائية وطواعية .

ناذرا ما يحدث خلل أو تجاوز .

وكلما حل الخلل صاحبه الجزاء بوقوع كوارث لا تحتمل.

عجيب أمر هذا الاضباط .

مساطير اقتبسها الإنسان على منوال نواميس الكون وقوانينه .

كل فيه يسير بقدر ...

ومتى اختل توازن أو حدث تجاوز ، حل العطب والاضطراب .

كما في :

السقم بعد سلامة ..

والراحة بعد تعب ..

والكسب بعد عمل ..

والخوف بعد أمان ..

والفشل بعد استسلام وهوان ..

وهي سنن قائمة على مقياس :

لا إفراط ولا تفريط . وإلا كان الجزاء على قدر التجاوز.



أخذت نفسا عميقا وتذكرت كتابي .

وضعت عليه يدي هاما بتناوله . فدنت إحدى خمائل شجرة المزهرية ، مستجيبة لترانيم النسيم فلامست بلطف ظهر يدي .

سرت شرارة ملمسها عبر عروقي ، فنبهتني وصبت سيلا من الاستفهامات عبر شرايين مخيلتي .

فرددت مع نفسي :

يالجمال وفتنة هذه الشجرة !

هل تدري بهاء رونقها وقوة جاذبيتها ؟

وهل تعي قدر ما تضفي على المكان من جمال وجلال ؟

أم أنها تعيش كغيرها - فقط - لتستهلك و تفنى ؟

ركزت اهتمامي عليها .

أغصانها الفتية تطل من نوافذ بالجدع ، بترتيب فسيفسائي بديع ، خطته وقدرته يد أمهر الصناع وأحذقهم .

لكل غصن حيزه وزاده ، ينطلق من مصدره شرارة قاصدة عنان الفضاء .

الأغصان تجاري نسيم أيامها ورياحها صباح مساء .

تنعم بسكون لياليها متزودة بما أغدق عليها الفضاء من بخار وغبار وماء .

تستقي منها كل حين زادها ودواءها

تصبح مشرقة متلألئة ، وتمسي منكسة الهامة مطأطأة الرأس .



لعلها تعاني بدورها كما نعاني .

ولا تبث شجونها كما نبث ، ولا تتبرم كما نتبرم .



أراها واجمة مصغية متأملة .

فهل هي الآن منشغلة بحل ألغاز أفكاري قبل النطق بها ؟

وهل بإمكانها صياغة ردود مقنعة ملائمة أفهمها ؟



أيتها الفاتنة الصغيرة ..



إذا عجز لسانك ..

فأفصحي بحال مقامك.

وعبري عما تتقاذفه الأمواج في أعماقك .



بعد هدوء مطبق ، ووجوم متبادل بيننا ، اهتزت كل أطرافها ، وكأنها أصغت لهمسي وبعثت إشارة تعجم عودي وتوجه قوسي .




انطلقت أقص الشجون .

أعد المراثي .

أصنف الأحداث وفق ما خلفت من رزايا وآلام .



اقتربت الخميلة التي صافحت يدي ، وأخذت تربت على كتفي .

تواسيني وتردد :



لو كنت حكيما لنظرت إلى السقيم المحروم مما أنت به تتمتع .




وتذكرت الجائع وقت ازدحام مائدتك بما لذ وطاب .

ولأشفقت على البائس حين اقتنائك وارتدائك أزهى وأثمن الأثواب .

ولأحسست بلوعة أهل المفقود لما تستقبل عائدا من ذويك بعد طول غياب .


إنك - في نظري - ترفل في حلل نعيم العافية الحقة .

وتزهو بالأنس والرخاء والهناء المقيمة ، دون شعور منك ولا اكتراث ....




الشمس تميل نحو الغروب ، تستعد لإرسال مراجلها فوق مدرج قمة الجبل هناك .تطرزمرمرا بمرثية الأشجان ، وترسل أهازيج مرتلة عبر أوراق الشجيرة المنتصبة هنا بجواري .



أدرت وجهي نحو مخاطبتي وقلت :

أفحمتني وختمت على لساني ...



وأنت ...



قبل البوح بما أطلب ، قال لسان حالها :

حالي يكفيك عن التساؤل عني .

ألا ترى أني مجرد أثاث آني ، وفرجة عابرة ؟

أحس بكوني صغيرة ضئيلة في موقعي وفي أعين الناس .

أعيش فقدانا ماحقا وغربة قاتلة .

أشعر بالضيق والحسرة تخنقني .

تمنيت لو أني على ضفاف نهر متدفق .

أو على عتبة سفوح جبل شاهق .

أشكل مع غيري الأدغال الكثيفة ، والغابات الموحشة .

أنطلق من منبتي شهابا صاعدا أخترق كتل المزن ، وأسهم بدوري في خدمات تنقية الفضاء ، وتوفير النقي الصالح من الهواء ، وتشكيل وجه الطبيعة الخلابة الفيحاء ،


وأنهل وأرتوي ، وأنأى بنفسي عن بصمات الوهن ، ونظرات الاستخفاف ، وعبث الكبار والصغار ...



الشمس تستعد للرحيل .

تبعث خيوطا ذهبية مودعة قبل الانغماس في ظلمة الشفق .



أقفل النسيم .



هدأت الأغصان .



غارت المناجاة .



أسمع دبيب صوتها يبتعد ويأفل رويدا رويدا ،


ممتطيا أشعة النور التي انسحبت مع ترجل قرص الشمس ، وحبوه نحو مستقره.

بعدهنيهة ...

مات النهار .

أشاهد الجنازة ترتفع أمامي في افق البحر الغارب .

غادرت بدوري ،

تابطت - كعادتي - كتابي

وانصرفت عبر مسالك الزمان في هدوء ...










بقلمي


رد مع اقتباس

 

 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


الساعة الآن 07:27 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

أن كل ما ينشر في المنتدى لا يمثل رأي الإدارة وانما يمثل رأي أصحابها

جميع الحقوق محفوظة لشبكة سكاو

2003-2023