صيد الخاطر(2)

[أبو حذيفة]

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه


اليوم سأنقل لكم 3 فصول أخرى من كتاب الإمام ابن الجوزي "صيد الخاطر"
ولقد أضفت بعد كل فصل ملخصاً أسميته "الزبدة" ألخص فيه محتوى الفصل, لأنه في بعض الأحيان
تكون اللغه صعبةً نوعاً ما. وأرجوً من المولى عز وجل أن تعم الفائدة الجميع


فصل " في كتم الأسرار"



رأيت أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرهم فإذا ظهر عاتبوا من
أخبروا به, فواعجباً كيف ضاقوا بحبسه ذرعاً ثم لاموا من أفشاه.
وفي الحديث النبوي الشريف (استعينوا على قضاء أموركم بالكتمان)(1)
ولعمري إن النفس يصعب عليها كتم الشيئ وترى بإفشائه راحة,
خصوصاً إذا كان مرضاً أو هماً أو عشقاً, وهذه الأشياء في إفشائها
قريبة, وإنما اللازم كتمانه إحتيال المحتال فيما يريد أن يحصل به غرضاً
فإن من سوء التدبير إفشاء ذلك قبل تمامه, فإنه إذا ظهر بطل ما يريد
أن يفعل, ولا عذر لمن أفشى هذا النوع. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا أراد سفراً ورَّى بغيره(2). فإن قال قائل: إنما أحدث من أثق به
قيل له: وكل حديث جاوز الإثنين شائع وربما لم يكتم صديقك. وكم
سمعنا من يُحَدِّثْ عن الملوك بالقبض على صاحب, فنَمَ الحديث إلى
الصاحب وهرب ففات على السلطان مراده, وإنما الرجل الحازم الذي
لا يتعداه سره ولا يفشيه إلى أحد, ومن العجز إفشاء السر إلى الولد
والزوجة. والمال من جملة السر, فإطلاعهم عليه يجر المتاعب إن
كان كثيراً فربما تمنوا هلاك الموروث. وربما طلبوا من الكثير على
مقدار كثرته فأتلفته النفقات, وستر المصائب من جملة كتمان السر
لأن إظهارها يسر الشامت ويؤلم المحب. وكذلك ينبغي أن يكتم مقدار
السن, لأنه إن كان كبيراً إستهرموه, وإن كان صغيراً إحتقروه, ومما
قد إنهال فيه الكثير من المفرطين أنهم يذكرون بين أصدقائهم أميراً
أو سلطاناً فيقولون فيه فيبلغ ذلك إليه فيكون سبب الهلاك, وربما
رأى الرجل من صديقه إخلاصاً وافياً فأشاع سِرَّه. وقد قيل في هذا :


احْذَرْ عَدُوَّك مَرَّةً.............واحْذَرْ صديقَكَ ألف مرة
فلربما انفَلَب الصَّدِيق.........فَكان أدرى بِالمضَرَّة


ورُبَّ مفشٍ سِرَّهُ إلى زوجةٍ أو صديق فيصير بذلك رهيناً عنده ولا
يتجاسر أن يطلق زوجته ولا أن يهجر صديقه, مخافة أن يظهر سره
القبيح. فالحازم من عامل الناس بالظاهر فلا يضيق صدره بِسِره فإن
فارقته إمرأة أو صديق أو خادم لم يقدر أحد منهم أن يقول فيه ما يكره.
ومن أعظم الأسرار الخلوات فليحذر الحازم فيها من الإنبساط بمرأى من
مخلوق, ومن خُلِقَ له عقلٌ ثاقب دَلَّهُ على الصواب قبل الوصايا.


(1)صححه الألباني.
(2)أخرجه البخاري في كتاب الجهاد.


# الزبدة #



صحيح أن الإنسان يشعر براحة نفسية عند إفشائه لأسراره وكأنها همومٌ وانزاحت
ولكن يجب أن تحذر وتفكر مئة مره قبل أن تفشي أي سر فربما الراحة التي تشعر بها
الآن عند إفشاء السر لأحد المقربين تنقلب فيما بعد إلى جحيم وذلك بسبب تحول سرك
إلى معلومة عامه للجميع. و الصبر في المصائب وكتمانها أهون من تشمت الأعداء الذي قد يحدث بإفشائها



*
فصل "إحذر النساء"



من أعظم الضرر الداخل على الإنسان كثرة النساء, إنه أولاً يشتت هَمَّهُ في محبتهن
ومداراتهن وغيرتهن, والإنفاق عليهن. ولا يأمن إحداهن أن تَكْرَههُ وتُريدُ غيره فلا
تتخل إلا بقتله. ولو سَلَمَ من جميع ذلك لم يسلم من الكسب لهن, فإن سَلِمْ لم يَنْجُ من
السآمة لهن أو لبعضهن. ثم يطلب ما لا يقدر عليه من غيرهن, وحتى أنه لو قدر على
نساء بغداد كلهن فقدمت امرأة مستترة من غير البلد ظَنَّ أنه يَجِدُ عِندها ما ليس عندهن.
ولعمري إن في الجدة لذة, ولكن رُبَّ مستورٍ إذا انكشف افتضح. ولو انه سَلِمَ من كل أذى
يتعلق بهن أنهك بدنه في الجماع, فيكون طلبه للإلتذاذ مانعاً من دوام الإلتذاذ. ورُبَّ لُقمةٍ
منعت لقمات, ورب لذةٍ كانت سبباً في إنقطاع لذات. والعاقل من يقتصر على الواحدة إذا
وافقت غرضه ولا بد أن يكون فيها شيئ لا يوافق, إنما العمل على الغالب, فتوهب الخلة
الرديه للمجيدة. وينبغي أن يكون النظر إلى باب الدين قبل النظر إلى الحُسْن. فإنه إذا قَلَّ
الدين لم ينتفع ذو مروءة بتلك المرأة, ومما يُهْلِك الشيخ سريعاً الجماع, فلا يغتر بما يرى
من انبساط الآلة وحصول الشهوة. وذلك مستخرج من قُوَّتِه ما لا يعود مِثْلٌه. فلا ينبغي أن
يغتر بحركةٍ وسهرة, ولا يقرب من النساء إن كان له رأيٌ في البقاء.


# الزبدة #



مع أني أظن أن الزبدة والدسم وصل للجميع في هذا الفصل ولكن في الإعادة الإفادة
إعلم يا عزيزي القارئ أن الكاتب يرى بأن من أعظم الاضرار على الرجال هي كثرة
النساء وإن بدى لك كرجل غير ذلك. فأنت تتشتت في محبتهن وغيرتهن ومداراتهن
وإن كرهتك إحداهن فقد تقتلك. وإن سلمت من كل هذا يا رجل, فلن تسلم من الواجب
عليك والذي يتمثل بكسب المال لهن. وإن سلمت من هذا ويسر الله لك المال, لم تسلم
من أن تَمِلَّ منهن وأن تسعى لغيرهن ولو أنك ملكت نساء بغداد كلها ثم رأيت إمرأة من
بلدٍ آخر متسترة لرغبة بها ظناً منك أن لديها شيئ آخر. وإن كنت قنوعاً وسلمت من هذا
فلتعلم أن كثرة النساء والجماع يهلك الجسد ويذهب القوة فلا تغتر بشهوة لك ولكن إنظر


إلى عاقبة الأمور. يعني بالعربي الفصيح إقنع بواحدةٍ تغنم صحتك وعافيتك.



*
فصل "العاقل المغلوب بالهوى ترجى هدايته"



إذا رأيت قليل العقل في أصل الوضع فلا تَرْجُ خيره, فإما إن كان وافر العقل لكنه يَغْلُبُ عَلَيْهِ
الهوى فارْجُ خيره, وعلامة ذلك أنه يدبر أمرَهُ في جهله, فيستتر من الناس إذا أتى فاحشةً
ويراقب في بعض الأحوال ويبكي عند الموعظة ويحترم أهل الدين, فهذا عاقلٌ مغلوبٌ بهوى
فإذا إنتبه بالنَّدم انقبض شيطان الهوى وجاء ملك العقل.
فَأما إذا كان قليل العقل في الوضع, وعلامته ألا ينظر في عاقبةٍ عاجلة ولا آجلة, ولا يستحي
من الناس أن يَروهُ على فاحِشةٍ, ولا يدبر أمر دنياه فذاك بعيد الرجاء, وقد يندر من هؤلاء
من يفلح, ويكون السبب في ذلك لخميرةٍ من العقل غطى عليها الهوى ثُم تكشف قليلاً لتعود
فَمَثَلُهم كَمَثَلِ مَصْروعٍ أَفَاق


# الزبدة #


إذا كان الرجل ناقص العقل في طبيعته فلا تتوقع منه الخير. أما إذا كان الرجل ذو عقلٍ راجح
ومكتمل وإن كان ذا هوى فإرجُ خيره. لأن صاحب العقل يستخدم عقله عند فعل أي منكر فيستتر
ويعلم الحق ويحترم أهله فيرجى له الصلاح. أما ناقص العقل أو إذا صح التعبير "الأحمق" فهو
لا يتدبر عواقب الأمور ولا يستحي من فعل المنكرات أمام الناس ولذلك في الغالب لا يرجى صلاحه


*



أتمنى أن تكون الفصول المختاره هذه المرة أعجبتكم



يتبع.....


في أمان الله

[@ندى@]

مشكور على الموضوع الاكثر من رائع

الف الف شكر

[صقر القاسمي]

جزاك الله خيراَ