| العريان يجيبُ: « وهل في الحُبِّ عارٌ أو مذمَّةٌ ؟؟ » ! |
الأديبُ الأستاذُ محمد سعيد العريان المتوفى1384هـ _رحمه الله تعالى_ تلميذُ وصديقُ الأديبِ الكبيرِ الأستاذ مصطفى صادق الرافعي _رحمه الله تعالى_ ، ومن إخلاصِ ووفاءِ الأستاذِ العريانِ لشيخهِ وصديقِه ألَّف كتابُه: « حياةُ الرافعيُّ » . ونشرَهُ بعدَ وفاةِ الرافعيُّ بسنتين عام 1358هـ - 1939مـ.
كتبَ الأستاذُ العريانُ عن « الحب » ومعناهُ كلامًا من أجملِ ما يُقرَأ ، وهو يترجمُ بذلكَ عن « حبِّ » أستاذِه الرافعي وسموِّ فلسفتِه.
قالَ العريانُ في كتابه « حياة الرافعي » (ص76) :
وهل في الحُبِّ عارٌ أو مذمَّةٌ ؟
هذا سُؤالٌ يَجِبُ أنْ يكونَ جوابَه إلى جانبِه قبلَ أنْ أمضيَ في هذا الحديثِ ...
أما الحبُّ الذي أعنيهِ -وكانَ يعنيهِ الرافعيُّ- فشيءٌ غيرَ الحُبِّ الذي يدلُّ عليهِ مدلولُ هذهِ الكَلِمَةِ عندَ أبناءِ هذا الجيلِ ...
إِنَّ الحُبَّ عندَ الناسِ هُوَ حيلَةُ الحَيَاةِ لإيجادِ النَّوْعِ، ولكنَّه عندَ الرافعيُّ هُوَ حيلةُ النفسِ إلى السموِّ والإشراقِ والوصولِ إلى الشاطئِ المجهولِ، هوَ نافذةٌ تطلُّ منها البشريةُ إلى غاياتِها العُلْيَا، وأهدافِها البعيدَةِ، وآمالُها في الإنسانيةِ السَّامِيَةِ؛ هو مفتاحُ الروحِ إلى عالَمٍ غَيْرَ منظورٍ تتنوَّرُ فيهِ الأفقَ المنيرَ في جانبٍ من النفسِ الإنسانيةِ، هُوَ نُبُوَّةٌ على قدرِ أنبيائِها: فيها الوحيُ والإلهامُ، وفيها الإسراءُ إلى الملأِ الأعلَى على جناحَيْ مَلَكٍ جميلٍ ... هُوَ مادَّةُ الشعرِ وجلاءِ الخاطرِ وصقالِ النفسِ وينبوعُ الرحمةِ وأداةُ البيانِ.
انتهى. وقال (ص80) :
كانَ يحبُّها حباً عنيفاً جارفاً لا يقفُ في سبيلِه شيءٌ، ولكنَّهُ حبٌّ ليسَ من حبِّ الناسِ، حُبٌّ فوقَ الشهواتِ وفوقَ الغاياتِ الدنيَا لأنهُ ليسَ له مدًى ولا غايَة. فلقدْ كانَ يلتمسُ مثلَ هذا الحبِّ مِنْ زمانٍ ليجدَ فيهِ ينبوعَ الشعرِ وصفاءَ الرُّوحِ، وقد وجدَهُما، ولكن في نفسِه لا في لسانِه وقلمِه، وأحسَّ وشعرَ وتنوَّرَتْ نفسُه الآفاقَ البعيدةِ، ولكن ليثورَ بكلِّ ذلك دمُه، وتصطَرِعُ عواطِفُه ولا يجدُ البيانَ الذي يصفُ نفسَه ويبينُ عن خواطِرِه ...
انتهى. وقال (ص81) :
قد كتبَ ونظمَ وكانَ من إلهامِ الحُبِّ شِعرُه وبيانُه، ولكنَّه منذُ ذاقَ الحُبَّ أيقنَ أنهُ عاجزٌ عنْ أنْ يقولَ في الحُبِّ شعرًا وكتابةً، وماتَ وهو يدندنُ بقصيدةٍ لم ينظمْها ولم يسمعْ منها أحدٌ بيتًا، لأنَّ لغةَ البشرِ أضيقَ من أنْ تتسعَ لمعانيها أو تعبرَ عنها، لأنها من خفقاتِ القلبِ وهمساتِ الوجدانِ.
وهي أديبةٌ فيسلوفةٌ شاعرةٌ؛ فمن ذلكَ كانَ حبُّها وكانَ حبُّه.
انتهى كلامُ العريانِ. ثم نقلَ قولَ أستاذِه الرافعي:
« من خصائِصِها أنها لا تُعجَبُ بشيءٍ إعجابَها بدقةِ التعبيرِ الشعريِّ ... إنها تريدُ أن تجمعَ إلى صفاءِ وجهِها وإشراقِ خدَّيْها وخلابَتِها وسِحْرِها، صفاءَ اللفظِ وإشراقَ المعنى وحسنَ العرضِ وجمالَ العبارة، وهذا هو الحُبُّ عندَها ... »
وقوله -الرافعي-:
« ... ولا يستخرجُ عجبها شيءٌ كما يُعجبُها الكلامُ المفنَّنُ المشرِقُ المضيءُ بروحِ الشعرِ؛ فهو حلاها وجواهرَها؛ وما لسوقِ حبِّها من دنانيرٍ غيرَ المعانيَ الذهبيةِ؛ فإنها لا تبايعكَ صفقةَ يدٍ بيَدٍ، ولكن خفقةَ قلبٍ على قلبٍ »
وباللهِ التوفيقِ ..