سامحيني!
قال أحدهم : نما إلى سمعي أن أمي غضبت علي بسبب عدم تنفيذي طلباً أمرتني به، فسارعت إلى تنفيذه وأرسلت إليها مع ولدي ورقة مكتوب فيها : « سامحيني يا أمي !». فقرؤوها عليها فهدأ غضبها، وأخذت تثني عليَّ أمام أولادي ، ثم أتيتها بعد فترة فاستقبلتني بقولها : سامحني يا ولدي على ما بدر مني !
بادري الزوج بأنه لا يستحق أن تسببي له هذا الغضب ، واطلبي منه المسامحة على خطئك واحتسبي الأجر (ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)، فقد يعتذر إليك بقلبه دون أن يتلفظ فلسان حاله يقول: «إن المسألة لا تستحق هذا الغضب وإن كانت تستحق المعاتبة»، وستشعرين بذلك من خلال تصرفه معك .
عندما أتت هالة بنت خويلد استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند عائشة رضي الله عنها ( أحب أزواجه إليه في ذلك الوقت ) سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت هالة ، فهجمت ذكريات خديجة على قلبه فقال صلى الله عليه وسلم مسرعاً : اللهم هالة !! فغارت عائشة رضي الله عنها بالرغم من كون النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، وكانت صغيرة السن وقالت : ماتريد بامرأة حمراء الشدقين (أي لا أسنان لها) قد أبدلك الله خيراً منها ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إنها كانت ، وكانت وكان لي منها ولد. فاستغفرت عائشة مما قالت في حقها، وتعهدت أن لا تعود لمثلها. فرضي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنفها. (رواه الدولابي وأحمد).
إن الاعتراف بالذنب لا يحط من قدر الإنسان المعترف. فهذا أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كتب إلى عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه يعتذر إليه من شيء جرى بينهما، يقول فيه: من معاوية بن أبي سفيان إلى عقيل بن أبي طالب، أما بعد: يابني عبدالمطلب ! فأنتم والله فروع قصي، ولباب عبد مناف، وصفوة هاشم، فأين أخلاقكم الراسية، وعقولكم الكاسية ؟ قد والله أساء أمير المؤمنين ماكان جرى، ولن يعود لمثله إلى أن يغيب في الثرى. وركب إليه معاوية وناشده في الصفح عنه، واستعطفه حتى رجع عقيل إلى علاقته بمعاوية .
يقول أحدهم : كلفت زوجتي بأمر مهم فعندما رجعت لم أرها نفذته ، فسألتها وأنا متضايق وقد كظمت غيظي: لماذا لم تنفذيه ؟
فأجابت : لأني مشغولة بأمر آخر! هكذا لم تبد ضيقها أو أسفها لعدم تنفيذه، وإنما بأسلوب غير لائق، إذ لسان حالها يقول: يجب أن تعذرني ! فثرت غاضباً في وجهها، وكما يقال ما أرادت في هذه اللحظة إلا عمرها !!
عندما أغرق الله تعالى قوم نوح عليه السلام ونجى نوحاً والمؤمنين ، تضرع نوح بالسؤال عن مصير ابنه {رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} أي وعدتني بنجاة أهلي ، وابني من أهلي ، وأنت سبحانك صاحب الحكمة ، فكان الجواب من الله تعالى ينم عن غضبه سبحانه وأنه لم يعده بنجاة الكفار من أهله {يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين}. هل ناقش نوح هذا الجواب ؟ وهل برر سؤاله ؟ بل خضع وسجد لله تعالى تعظيماً له وتذللاً بين يديه، بصوت عبد ضعيف ذليل بين يدي مولاه معترفاً بخطئه في هذا السؤال {رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ، وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين}. فجاءت الإجابة سريعة مملوءة رحمة ولطفاً وحناناً من الله تعالى بعد الغضب السابق {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك}.
اعترفي بخطئك ولا تبرري موقفك الخطأ أمام الزوج، فإن كان غاضباً فسيزداد غضبه ، وإن لم يكن كذلك فسيتولد لديه الغضب.
قال أحدهم: طلبت من زوجتي أن تفعل أمراً ما فعندما رجعت سألتها عنه ، فقالت ببرود : نسيت ! فعاتبتها فردت عليّ: كل إنسان ينسى وأنت كذلك تنسى. فانفجرت عليها فأبرقت وأرعدت .
تقول الزوجة : كلما أتذكر هذا الموقف أشعر أني تصرفت بحماقة ! ماذا جنيت من ورائه إلا القطيعة الزوجية ؟ وكلما استرجعت الحادثة شعرت أني سلكت طريقاً وعراً في تعاملي مع زوجي، بالرغم من أنه كان من الممكن أن أكسب قلبه بسرعة في هذا الموقف باعترافي بخطئي .
غالباً ما تنتهي العلاقة الزوجية بسبب غضب الزوج، وعدم حسن تصرف الزوجة حيال غضبه. فكثيراً ما تتصرف الزوجة تصرفاً يزيد من غضب الزوج مما يضطره إلى التلفظ بكلمة الطلاق سواءاً كانت هي المخطئة أم لم تكن. فالمرأة الذكية هي التي تحسن التصرف في مثل تلك المواقف.
إبليس لما عصى الله تعالى وامتنع عن السجود لآدم أخذ يماري ويجادل ويحتج بأدلة واهية {ءأسجد لمن خلقت طيناً}، وقال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}، فكانت عاقبته الخسران الدائم الأبدي وهو الطرد واللعنة {قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين}. بينما آدم عليه السلام عندما وقع في المعصية لم يمار ولم يجادل وإنما اعترف بذنبه {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}، {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}، فكانت النتيجة أن اجتباه الله تعالى وهداه {ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى}.
|