15-05-2010, 07:34 AM
|
#6
|
تاريخ التسجيل: Jan 2009
كلية: أخرى
نوع الدراسة: إنتظام
المستوى: منسحب
البلد: جدة
الجنس: ذكر
المشاركات: 473
|
استِعجالُ الشُّهرةِ .. مرَضٌ ودواؤه « الشيخ الغزالي » !
| استِعجالُ الشُّهرةِ .. مرَضٌ ودواؤه « الشيخ الغزالي » ! |
حبُّ الشهرةِ والظهورِ مما تُجبَلُ عليهِ النفوسِ، وتجتاحُ هذهِ الشهوةُ النفسَ فلاَ يقرُّ قرارٍها حتَّى تنالَ ماَ رَغِبَتْ؛ ولوْ لمْ تستكملُ النفسُ مؤهلاتَ الشهرةِ المطلوبةِ. فحبُّ الشهرةِ يعمي النفسَ ويصمُّها عن المراجعةِ والنظرِ واستكمالِ المؤهِّلاتِ.
كتبَ أديبُ الدعوةِ الشيخُ محمد الغزالي المتوفى1416هـ _رحمه الله تعالى_ كلمةً نافعةً في توجيهِ هذهِ الغريزةِ. في كتابهِ « الجانبُ العاطفيُّ مِنَ الإسلامِ ».
وكانَ منْ منهجِ الشيخِ في قسمٍ من هذا الكتابِ ، نَقْلَ حكمةٍ منْ « الحِكَمِ العطائيَّةِ » للفقيهِ المربِّي ابنِ عطاءِ اللهِ السِّكَنْدَرِي المالكِي المتوفى709هـ _رحمه الله تعالى_(1) . ثمَّ شَرْحِهَا شرحاً موجزاً.
قالَ الحكيمُ ابنُ عطاءِ اللهِ: (( اِدْفِنْ وُجُودَكَ فِي أَرْضِ الخُمُولِ، فَمَا نَبَتَ مِمَّا لَمْ يُدْفَنْ لاَ يَتِمُّ نَتَاجُهُ ))
علَّقَ عليها الشيخُ الغزاليُّ:
هذه الكلمةُ أفضلُ توجيهٍ لمَنْ يريدونَ الظهورَ على عَجَلٍ، ومَنْ يتوهمونَ أنَّ نصيباً قليلاً مِنَ المعرفةِ والخبرةِ كافٍ في الترشيحِ لقيادةِ الجماهيرِ، والصدارةِ بَيْنَ الناسِ، وهؤلاءِ في الحياةِ لاَ حَصْرَ لَهُمْ.
إنَّ مَنصِبَ الإمامَةِ في آفاقِ الدنيا أو في آفاقِ الدينِ يتطلَّبُ صبْرَ السنين، وتغضينَ الجبين.
فَلِيَضَعَ المرْءُ نفسَهُ أولاً في عزلةٍ وفي صمتٍ وفي تؤدةٍ، كالشجرةِ التي يختفي أصلُها في ظلمةِ الترابِ أمداً تتكونُ فيهِ التكونَ الصحيحِ، ثم تبدأُ تشقُّ طريقُهاَ إلى الهواءِ والضوءِ.
ما ضرَّ الشبابَ أن يتوارَوْا قليلاً أو كثيراً فلا يطْلعُوا على الناسِ إلا بعْدَ أنْ تكتملَ مَلَكَاتِهِمْ ؟.
إنكَ ترى الواحدَ يكتبُ عِدَّةَ مقالاتٍ فيحسبُ نفسَهُ مِنْ قادةِ الفكرِ، أو يحسنَ بضعَة أعمالٍ فيَزْعُمَ نَفسَهُ مِنْ سَاسَةِ العَالَمِ، ولو آثرَ (الخُمُولَ) فترةً ينضجُ فيهاَ لكانَ خيراً لَهُ.
ثم مِنَ الإيمانِ -إذا استويتَ- أن تقومَ بما عليكَ للهِ لا للظهورِ، فإنَّ الذي يطلبُ وجوهَ الناسِ يسقطُ من عينِ اللهِ.
فاحذَرْ على نَفْسِكَ أمرَيْنِ:
- أن تنزِعَ إلى البروزِ قبْلَ استكمالِ المؤهِّلاتِ المطلوبَةِ.
- وأن تستكملَ هذهِ المؤهلاتِ لتلْفِتَ بهاَ أنظارَ الناسِ إليكَ.
انتهى كلامُ الشيخِ الغزالي.
وممَّا يُذكَرُ في هذا المعنَى ، قولَ الصحابيُّ الجليلُ الخليفةُ الراشدُ عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- :
« تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا » (2).
وباللهِ التوفيقُ.
______________________________
(1) قالَ الشيخ الغزالي في كتابِه ( « الجانبُ العاطفيُّ مِنَ الإسلامِ » ص115 - طبعة دار القلم1426هـ ) :
(( في تراثِنا القديمُ دراساتٍ جيدةٍ للنفسِ الإنسانيةِ، وكيفَ تخلصُ من أدوائِها، وكيفَ تمضي في طريقِها إلى الله منقاةً مشرقةً . ))
إلى أن قال:
(( في هذاَ الفصلِ نضعُ بينَ يدي القارئ كلماتٍ لابنِ عطاءِ اللهِ السكندريِّ مجرَّدةٍ من الشروحِ التي أحاطتْ بهاَ ))
قلتُ: يشيرُ الشيخُ بوصفِه الشروحَ أنَّها أحاطتْ بها؛ إلى أنَّ لـ« الحكمِ العطائيةِ » اهتماماً وشروحاً كثيرة؛ وهذه الحقيقةُ. بلْ إنَّ الإمامَ الفقيهَ المالكي الشيخ أحمد زروق المتوفى899هـ وحدَهُ شرحها ثمانيةَ عشرَ شرحًا! وأشهرُ شروحِ الحِكَمِ شرحُ ابنِ عجيبةٍ الحسني المسمَّى « إيقاظُ الهِمَمِ شَرْحِ الحِكَمِ ».
ثم قالَ الشيخُ الغزاليُّ بعد أن أبدَى إجمالَ رأيِه الشخصيُّ في هذهِ الشروحِ:
(( وسأتولَّى شرحَهاَ -أي « الحِكَمِ »- بإيجازٍ، في حدودِ ما توحي بهِ الكلمات، وعلى ضوءِ المعروفِ من تعاليمِ الإسلامِ. راجياً أنْ تكونَ هذهِ الكلمات الحكيمةِ إيناساً لمَنْ يأخذونَ أنفُسِهم بضروبِ التربيةِ، ووصفاً لمعالمِ الطريقِ من أناسٍ خبراءٍ بهاَ مهرةٍ فيهاَ. )) .
(2) روى هذا الأثرُ عن عمرٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- عددٌ من الحفَّاظِ والمحدِّثينِْ. وذكرَهُ البخاريُّ تعليقاً -بلا إسنادٍ- في صحيحِه (1/26) . قال الحافظُ ابنُ حجرٍ العسقلانيّ في «فتح الباري شرح صحيح البخاري » (1/151) : (( أثرُ عمرٍ إسنادُهُ صحيحٌ )) انتهى بتصرفٍ.
ونقلَ عنْ بعض الفقهاءِ شرحَهم الأثرَ: أيْ تفقهُوا وأنتمْ صغارٌ قبلَ أنْ تصيروا سادةً فتمنعَكُم الأنفةُ عنِ الأخذِ عمَّنْ هو دونَكُم فتبقُوا جُهَّالاً.
|
|
|
|
|
|