عرض مشاركة واحدة
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
  #1  
قديم 15-10-2003, 05:50 PM
الصورة الرمزية الريادة

الريادة الريادة غير متواجد حالياً

مشرف سابق

 
تاريخ التسجيل: Oct 2003
التخصص: ادارة واقتصاد/ محاسبة
المشاركات: 225
افتراضي الفلسطينيون .. في الأصل والفصل


*بقلم / أحمد صبري الدبش - باحث بمركز إحياء التراث الفلسطيني – المصدر : مجلة القدس العدد 26 شباط (فبراير) 2001 :


أهمل مؤرّخو الغرب المتخصصون في تاريخ الشرق الأدنى القديم و حضارته ، دراسة التاريخ الفلسطيني ، و لم يخصّصوا في دراستهم الخاصة بشعوب الشرق الأدنى القديم أي ذكرٍ خاصٍ بتاريخ الفلسطينيين في شكل عمل مستقل ، أو حتى في شكل فصل مستقل من فصول الدراسة .

و هذا الإهمال مقصود لذاته بسبب سيطرة المؤرّخين اليهود و الصهاينة على مجال الكتابة التاريخية عن فلسطين ، و لذلك فقد أخرجوا تاريخ الشعب الفلسطيني القديم من دائرة البحث كشعبٍ من شعوب الشرق الأدنى القديم ، و مركّزين تركيزاً شديداً على دراسة تاريخ (الإسرائيليين) ، و ذلك لتأصيل الوجود الصهيوني المزعوم في فلسطين ، باستبعاد الفلسطينيين الذين سميت المنطقة باسمهم .

و يبدأ تاريخ فلسطين عملياً لهؤلاء الكتاب فقط عند بدء تاريخ "إسرائيل" و عندما تصبح فلسطين في وفاقٍ و انسجام تامّين مع "إسرائيل" ، و السبب في ذلك لا يمكن أن نقول إن بؤرة التركيز هي على تاريخ "إسرائيل" ، أو الادعاء بأن سرد هؤلاء المؤرّخين للتاريخ يبدأ عند ظهور "إسرائيل" على مسرح الأحداث ، ذلك لأنهم جميعاً يعالجون فترات ما قبل ظهور "إسرائيل" أو (الإسرائيليين) ، و لكنهم جميعاً يرفضون بثبات استعمال تعبير "الفلسطينيين" للدلالة على المكان، حتى إن استعملوا تعبير فلسطين للدلالة على أشياء جامدة مثل : المكان المادي و الاقتصادي .

إن رفض استعمال صفة واحدة لنعت سكان المنطقة هو إذاً إنكار للوجود و للتاريخ الفلسطيني ، و لهذا فإن فلسطين توصف على أنها منطقة صغيرة و فقيرة و معزولة . و هذه أوصاف شائعة في الدراسات التوراتية ، ثم يتغير هذا الوضع وتصبح فلسطين مرموقة فقط بسبب الوجود التاريخي المزعوم لـ (إسرائيل) فيها ، و على هذا فإن الدراسات التوراتية متورّطة في تجريد الفلسطينيين من وطنهم ، و لهذا مقابل سياسي معاصر متمثل في السيطرة الصهيونية على الأرض و سلب الشعب الفلسطيني من أرضه و تصويره على أنه شعب بلا تاريخ أو تجريده من هذا التاريخ . و هكذا نرى أن الخطاب التوراتي يجعل الفلسطينيين شعباً غير ذي أهمية ، و في نهاية الأمر غير موجود .

يختلف الباحثون و الأثريون حول أصل الفلسطينيين ، فمنهم من يعتبرهم مجموعة من شعوب البحر ، و اعتبرهم آخرون أنهم من سكان فلسطين أصلاً و امتزجوا بمجموعات شعوب البحر الذين أثّروا في حضارتهم ، و أدخلوا عليها مواداً و عادات جديدة أصبحت متميزة في الكثير من مواقع الساحل الفلسطيني الجنوبية ، و ما زال النقاش محتدماً حول موطنهم الأصلي ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أصحاب الرأي الأول غالباً ما كانوا من التوراتيين أو المتأثرين بالدراسات التوراتية التقليدية .

و لهذا ستتناول الأسطر التالية أهم الآراء التي تكوّنت عن الفلسطينيين ، و ذلك بما يسمح به إطار هذه الدراسة ، و ما يتيسّر من معلومات و مصادر تتعلق بهذا الموضوع .



*الفلسطينيون في المصادر القديمة :

"الفلسطينيون" مصطلح يطلق على القبائل التي استوطنت شاطئ فلسطين – كنعان - الجنوبي الغربي من غزة جنوباً إلى يافا شمالاً ، و منهم جاءت تسمية فلسطين التي ما زالت مستعملة حتى يومِنا هذا للدلالة على أرض فلسطين الحالية ، و أهم المدن التي استوطنوها (غزة و عسقلان و أشدود و عقرون و جت) و كانت مدن الفلسطينيين هذه على الساحل عدا مدينة "جت" التي كانت تمتد قليلاً إلى الداخل ، و لم يؤسس الفلسطينيون مستعمرات ما عدا مدينتي "اللد" و "صقلغ" في أقصى جنوبي مدينة يهوذا .

وأقدم ذكرٍ للفلسطينيين ورد في النصوص المصرية و الآشورية ، فقد سميت بلادهم باسم "بالاستو" فلسطين Palastu أو بيلسيتوPilistu ، و هو نفس الاصطلاح اليوناني فلستيا Philidtia الذي أصبح باليستينا (فلسطين) ، و قد كثر ذكرهم في التوراة ، فقد سمتهم التوراة كفتورين ، و ذكرت أن وطنهم في جزيرة كفتور المناظرة لكفيتو في المصادر المصرية و التي يقولون إنها جزيرة كريت .

و في التعريف بـ "فلسطين" و "الفلسطينيون" في المصادر اليهودية نجد تعتيماً شديداً و إيهاماً بأن الفلسطينيين شعب غريب ليست له أصول في المنطقة ، ففي دوائر المعارف اليهودية يرد الحديث عن فلسطين و الفلسطينيين في شكل مقتضب و غامض يوحي للقارئ بعدم أهمية المكان و سكانه ، و يؤكّد على عدم أصالته و على كونه شعباً غريباً .

الفلسطينيون من شعوب البحر الأبيض المتوسط تعود أصولهم إلى مواقع في آسيا الصغرى و اليونان و أتوا إلى فلسطين في موجات متعاقبة . و قد أتت إحدى هذه الموجات قبل عصر الآباء ، و استقرت جنوب بئر السبع ، حيث دخلوا في صراع مع إبراهيم و إسحاق ، و أتت موجة أخرى من كريت بعد طردها من مصر على يد رمسيس الثالث في 1194 ق.م فاحتلت المنطقة الساحلية من جنوب فلسطين ، حيث أنشأوا خمس مدن هي : غزة و عسقلان و جت و أشدود و عقرون ، و لأنهم شعب محارب بالفطرة فقد تسيّدوا أجزاء أخرى من يهوذا زمن العصاة و هزموا شاؤول لكن داود هزمهم و وضع نهاية لسيادتهم ، و بعد سقوط المملكة الإسرائيلية استعاد الفلسطينيون استقلالهم ، و لكنهم لم يصبحوا أبداً عاملاً رئيسياً في المنطقة .

و في العصرين الفارسي و اليوناني تغلّب مستوطنون أجانب من جزر البحر المتوسط على المدن الفلسطينية ، و أطلق اليونان منذ هيرودوت اسم فلسطين على هذه المنطقة نسبة إلى الفلسطينيين (فلسطين السورية) ، و في عصر هارديان أطلق الرومان هذا الاسم رسمياً على إقليم يهوذا"(1) .

و قد تطور معنى كلمة فلستي Philistine عبر التاريخ و طرأت عليه تغيرات مهمة : فهي تعني بالنسبة للإنسان الغربي اليوم الفلسطيني القديم ، و تجدر الإشارة إلى أن وصف Philistine يستعمل لوصف الشخص المادي النزعة و الفج المعادي للثقافة ، و هو إنسان محدود الأفق ، و بعيد عن الثقافة الرفيعة كما يعرفه قاموس أكسفورد ، و هو تعريف ينمّ عن تأثير التفسير التوراتي للتاريخ لمصلحة اليهود .

و قد بلغ التشويه إلى حد أن الدعاية الصهيونية روّجت للقصة التوراتية عن جليات و داود ، حيث تصوّر انتصار داود الصغير بالمقلاع على جليات ، و كان من جبابرة الفلستين إذ بلغ طوله أكثر من تسعة أقدام ، و كانت أدواته الحربية مناسبة لطوله و قوته ، و يرى د. عبد الوهاب المسيري في "موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية" أن الدعاية الصهيونية نجحت في ترسيخ صورة داود رمزاً لـ (إسرائيل) ، الذي يستخدم ذكاءه و مهارته في هزيمة عدوه ، مقابل صورة جليات رمزاً للعربي الذي يتسم بضخامة الحجم و كثرة السلاح ، و لكنه لا يستخدم عقله فيُمنى بالهزيمة (2) .

و يجب أن لا نظنّ أن أسلاف عرب فلسطين كانوا يمثّلون البربرية بكل مظاهرها ، لأنهم كانوا فلاحين ، و لأنهم أقاموا على الوثنية أمداً طويلاً ، فيذكر روبنسون : "لقد كان الفلسطينيون يملكون ثقافة متقدّمة و عريقة" ، و يضيف قائلاً : "إنها سخرية عجيبة من سخريات القدر أن كتب على لفظة فلسطيني أن تكون مرادفة لكلمة بربري ، و قد نشأ هذا الاستخدام اللفظي : لأن تاريخ أيامهم وصل إلينا عن طريق (الإسرائيليين) الذين لم يكن في ضميرهم إنصاف لأعدائهم(3).


*يتبع ..........

 


توقيع الريادة  

 


التعديل الأخير تم بواسطة الريادة ; 15-10-2003 الساعة 05:57 PM.
رد مع اقتباس