جسور.. يا وجع الكلمات بقلم ثامر عدنان شاكر
أحكي لكم عن قصة فريدة لبذرة أمل واعدة ولدت في مجتمع يُعاني من هشاشة فكر وهجرٌ طويل وبرودٌ أبدي يمتد لأربعة فصول شتاء. الشباب والثقافة والقراءة مشهدٌ ركيك، لا يختلف عن أي بقعة في عالمٍ ثالث تائه ما بين الترفيه والتهميش واللامبالاة.
خبرٌ ضئيل في نصف سطر، يأتيك على غفلة بوسعه أن يُدمرك ويُحيل سكونك إلى زوابع من نار، إذ به ينتزعك من مكانك ويُلقي بك من أقرب نافذة فتهوي إلى سابع أرض.. تحاول أن تكذبه ألف مرة علًك تنجو، لكن لا فائدة، تسقط على رأسك.. تسأل كل من حضر عما حصل، تصعقك الإجابة.. والوصف وتفشل كل طرقك في الإنكار.
أن تُداهِم في بلادٍ مكتبة وتُلقي القبض على من فيها وتُعاملها كعاهرة، فقد صنعت من الفكر رذيلة ومن الشباب تهمة ومن الغد كارثة.. ومن الأمل دعابة سمجة، فسحقاً للجهل.
أن تجلد مكتبة في بلد لا يقرأ، وتصفع نشاطا خجولاً في عقل شاب مُهمَش وتمارس سُلطتك لخنق بصيص نور في قلب ضائع، فأنت جاهل وألف أحمق.. أنت تستحق الإعدام في ميدان عام جّراء قتلك لأجمل ما في الوطن، وهل يا ترى أجمل من الشباب في أوطان الدنيا قاطبةً؟!
لا فرق بين بلطجية يحرقون التاريخ في دول مجاورة وما بين بلطجية يقتحمون مقهى ثقافي شبابي ويستجوبون من فيه بحجج واهية.. هؤلاء أقوامٌ لا يُقدّرون حراك الفكر ولا يعرفون معنى قدسية الكتاب وأهمية الوعي، إنهم الإرهابيون الجدد!!
القصة قد تبدو مُملة للبعض، مكررة للبعض الآخر، أو ربما لا تعني شيئاً البتة لآخرين!! لكنها قصة قصيرة صادقة لمكتبة بسيطة كانت جميلة، رقيقة، عفيفة كأجمل نساء الدنيا، فجأة طلّ عليها عُصبة من القوم، وألقوا بالقيود في معصميها واعتقلوها بلا تهمة سوى الخوف من النور ولعن الوعي والتغيير!!
لكن العجيب أن في بلادي لا يوجد مكتبات!! هم ثلاثة.. أربعة.. ربما خمسةُ بالكاد، ومهجورة!! لذا فحين تُبث الروح في أحد مشاهدنا الثقافية بنكهة شبابية بعد طول موتٍ وغياب، فإذ بك تُراقب واحدة وتسطو عليها فجأة وتمارس إرهابك على من فيها وكأنها حانة من الحانات، وكأن من فيها من الساقطين والساقطات، فتلك رسالة كارثية تقول فيها.. لا نريد فكراً ولا عقلاً، ولا حتى شباباً وليبقى ذلك الفرد خارج دائرة المستقبل، نريده أن يعيش في الكهف متقوقعاً، ويموت نكرة بلا معنى!!
للأسف، في بلادي نترك الفساد في مال عام يُنهب، ونغض البصر عن اختلاط الأحلام بالأوهام وزنا المحارم، ونجد فيها من يزأر كأسد عليل في ملتقى ثقافي فكري لشباب يبحث عن ذاته.
من يا ترى الذي يُريد أن يحطم كل الجسور ويُلقي بنا لقمة سائغة لأسماك القرش ويحرق أشرعتنا الحالمة، ويُغرقنا في بحور الجهل؟!
من ينال من شبابنا هو عدونا الأول ومن يريد أن يصنع من الشاب مجرماً مطلوباً للعدالة هو العدو الأكبر، فسحقاً لأعداء النور.. سحقاً لمن لا يُدرك أن ذلك الكيان هو الأساس والمحور والهدف، فيصر أن يُحول تلك السواعد إلى ظلال بلا حولٍ ولا قوة، لا تعكس سوى فكرهم ولا تعيش سوى على فتات الغلو المقيت.
يا وجعي، يا وجع الكلمات!! في بلادي أيها السادة يعتقلون الكتاب ويُحاكمون الفكر، كيف بوسع أحدنا أن ينام الليلة.. أنا سأبقى أواسي ذلك الكتاب الذي هناك أحترق، وهنا أُمتهن، بشراسة وبلا وجه حق.. أنا سأبقى هنا أُشاهد ولن أُزيّن هذا النص كثيراً ولن أبالِ بلونه وماهيته ورائحته، وصوته العالي وإن كان أجشاً نشازاً أو وهناً ركيكاً، كل ما أعرفه أنه نصٌ غاضبٌ جداً وحانقٌ جداً وهذا كل ما يعنيني..
ربما كان الغضب حائط الصد الأخير أمام ميليشيات الجهل والظلام.
دمتم ودام الوطن بألف خير،،،،