رد: أسآطير ..
كان وسط غرفة قديمة الى حدٍ ما ، مما يوحي الى حالته المادية المتردية
ووسط الركام في كل مكان كان قاعداً يفكر واضعاً احدى يديه على وجهه ، والهموم من كل مكان تراوده
ثم رفع رأسه وأخذ نفساً عميقا ينبئ بأن هذا الرجل وصل لمرحلة اليـــــــــأس !
أمي المريضة .. والتي تحتاج لعناية طبية فائقة
الديـــون .. الكبيرة التي لا أستطيع تحملها جراء عدة جراحات صعبة لـ أمي ، ومع ذلك لم تتحسن حالتها
فهي من سيء الى أسوأ ..
الحالة المادية ووضعي المزري الان ..
والحـرب .. التي اهلكت تقريباً كل افراد قريتنا ومصادرها المالية !
تنفس عميقاً ثم قال بما يشبه التمتمة : رباه ، ماذا أفعل ؟!
في لحظة من الزمن خيّل اليه ان القدر يلعب معه لعبة
لعبة يجهلها تماماً
وقف في مكانه ليكشف لنا عن شاب في اواخر العشرينات من عمره يبدو ممتلئاً نشاطا وعافية .. على الاقل كان سليماً بدنياً
وعلى وجهه أمارات اليأس واضحة ، ومع تلك الاشارات أظهر ( هشام ) عزيمة قوية وهو يضغط كفية ويعتصرهما امام صدره بكل قوة
وهو يفكر في شيء ما وقد عقد العزم على المضي فيه ..
الناحية الاخرى ...
في مشهد غروب شمسٍ جميل .. وسط تلال شبه صحراوية يكسوها العشب من هنا وهناك
ويتجلى لنا المنظر كاملاً .. حتى ينبئ لنا بشيء لايبدو من صنع الطبيعة
كانت تقبع وسط التلال جيوش مدججة بالسلاح مما يبدوا مشوهاً للمنظر قليلاً ..
كانت تقف في ثبات وعزم وتصميم حتى الموت وهم يمسكون اسلحتهم التقليدية من رماح وسيوف ودروع ولباس عسكري قديم
يبدوا أنهم يستعدون لمعركة قادمة
خرج رجل ممتلئ الجسم يلبس الحرير من خيمة في المعسكر، كان واضحاًُ جليا أن هذا هو قائد جيوش مدينة (سنواط)
كان وراءه خمسة رجال ضخام
أحدهم اقترب منه وقال في خفوت : الرجال جاهزون سيدي
التفت اليه القائد وقال بلهجة آمره : اذاً ، فقدم النبالون واذا اقترب الخصم مسافة الرمي فحاول هذه المرة ان يكون التصويب محتماً
فأنت تعرف أيها الضابط ماحصل لنا في المعركة الأخيرة ،، وماجرى من قتال أنهك المدافعين ، بل انه حتى لم يبق منهم الكثير
لذلك سنحاول ان نقتل منهم أكبر عدد منهم بالسهام من بعيد قدر الامكان ، فليس هناك مدافعين بما يكفي ليصدوا عنا هجوم قوي !
لم يكن عددهم كبيراً ، ف الحرب التي أستمرت بين ( سنواط ) و( نابل ) مدة أربعين سنة كانت كفيلة بأن تبيدهم عن بكرة أبيهم
حتى ان بعض من ابناء الجيل هذا ، لم يعرفوا لهذه الحرب بداية ، بل أكثر من ذلك
حتى انهم لايعرفون لماذا هم يخوضون حرباً مع المدينة المجاورة لهم !
ولكن قد تكون حرباً لايُعرف متى بدأت ، ولكن بالتأكيد أن لها نهاية
قد تكون مأساوية لـ أحدهما ، ولكن الطرف الآخر سينتصرون بالتأكيد .. وهذا مايريدون !
بعد نقاش طويل مع القادة ، عاد القائد الى خيمته وقد انهكه التفكير
الجنود يُقتلون .. المعسكر مستهدف بلا حماية من جهتين .. جنود خط الدفاع الأمامي يقلون يوما بعد يوم
اذا أستمر هذا الحال فلابد أن يتأتي ذلك اليوم الذي تُخترق خطوط الدفاعات فيه وتصل فرقة من جيش الخصم الى المعسكر
وبالتأكيد لن ينظروا يمين أو شمال ،، فلن تقع أعينهم الا على خيمة القائد
فالعرف يقضي أن القائد اذا قتل ،، فيعتبر جيش الخصم مهزوماً في كل الاحوال ! وهذا مايريدون
ثم ارجع راسه للخلف وقال مغمغماً : حمداً لله أنهم لايدرون أن صفوف دفاعنا بهذا الضعف وأنها في أضعف حالاتها منذ حوالي عشرين سنة
والا لكان ...
ثم سكت وهو يحدق في الكوب القديم أمامه .. ثم أنتبه وقال : لا مستحيل ، لن تكون نهاية هذه الحرب في مدة قيادتي ..
قالها وهو لايعلم أن جنود العدو ( جنود مدينة نابل ) قد قامو بهجوم مباغت اثناء المعركة على المعسكر من الجهة الخلفية مستهدفين خيمة القائد !!
كان عددهم حوالي العشر رجال مدججين بالسلاح ، نظر اليهم القائد من نافذة الخيمة الصغيرة وهم من أعلى جبل صغير نازلين على المعسكر ب اقصى سرعة
متجهين مباشرة الى خيمة القائد .... خيمته هو .... قاتلين كل مايعترض طريقهم من جنود الحراسة .. ظهر عليهم العزيمة والتصميم على فعل مايريدون
وأنهم لن يرجعوا مثل كل مرة ( ب الهدايا والمال والهدنة ) ،، انما يريدون رأس القائد .. بلا أي منازع
التفت القائد من جانب خيمته وغطأ النافذة الجلدية الصغيرة وهو ينظر لسيف ودرع عُلقتا على طرف الخيمة
أخذها بتصميم وثبات وهو يغمغم : أيحسبونني سهلاً اذا !
ثم خرج من باب الخيمة الخلفي ومعه اربعة جنود حراسة شخصية ..
ولكن ماذا يفعل اربعة أمام عشرة جنود مدربين على الهجوم القوي المباغت برماحهم وسيوفهم وخيولهم التي تشق
الارض شقاً !
في الحقيقة لم يكن امام القائد مثل هذا الخيار الصعب ، فبدأ انه مستعد لـ أتخاذه بروح طيبة ..
في هذا الوقت الذي خرج منه آخر جنود الحراسة الشخصية من الخيمة .. دخل أول رجل من فرقة الخيالة اليها بعدما شق طرفها بالسيف ..
في أقل من ثانية التفت يمين ويسار ، ولم ير احداً في الخيمة ثم صاح لرفاقه في الخارج : تفقدوا الجهة الخلفية ، لقد هرب
ثم أدلف ثلاثة منهم يدخلون بين ازقة الخيام التي حول خيمة القائد يبحثون عنه وهم يتمتمون بينهم وياشرون ب اصابعهم لبعض ( خوفاً أن يسمعهم ويعرف مكانهم )
كان القائد قد خرج من أزقة الخيام هذه ، من الجهة الثانية ولكنهم كانوا وراءه يتبعون اثره ، وكان يبدوا أنهم سيمسكونه ولكن المسألة مسألة وقت فقط !
في اللحظة التالية كان القائد قد خرج الى ارض جرداء وبدأ يستعد وياشر بايديه لبعض جنود حراسة المعسكر الذين كانوا يقفون على بعد ثلاثين متراً منه ، ولكن المشكلة
ان جنود المعسكر لم يكونوا ينتبهوا لهذه المنطقة بالذات ومايحدث فيها اصلاً لانها كانت منطقة مجهولة ولا تهدد ب اي نوع من انواع المخاطر بالاضافة الى انها مكان قضاء الحاجات للجنود !
وهو لا يقدر على رفع صوته فيسمعه العدو فياتي اليه ..
حاول القائد ان يلفت انتباه بعض جنود الحراسة فوق الابراج بحركات بيديه ولكن ... لاجدوى
وفجأة بدون اي سابق انذار ظهر من خلف الخيمة أحد رجال الخيالة الذين يبحثون عنه ...
ثم بكل برود التفت الى رفاقه واشر لهم بيده اشارة .. ثم اتوااا
خرج من بين الخيام مايقرب العشرة رجال مدججين بالسلاح يبدوا عليهم الاستعداد الكامل
هذه بحد ثاتها معركة نفسية قاتلة !!!
بدأ القائد ، ثم استل سيفه وقال بحزم : أنتم تعلمون أني مدرب على القتال وخضت مايقرب ستين معركة معكم وقتلت منكم عشرات ، بل مئات
والا لما صرت قائداً ..
ظهر الجمود في وجوههم وهم يتلفتون الى بعضهم ويقول قائل منهم : هذا لايهم ، نريد انهاء الحرب والمجاعة التي حلت بنا وبكم .. وسيكون ذلك بقتلك
قالها وهو يتقدم بسيفه ويمده في اشارة للتحدي
ثم دارت المعركة بين الرجل والقائد .. معركة ضروس التمعت فيها السيوف واشتبكت فيها الاجساد .. واشتبك اربعة من الخيالة مع جنود الحراسة الخاصة للقائد
كان يبدوا من الوهلة الاولى ان القائد سيخسر المعركة الصغيرة بلا شك .. فهم خمسة مقابل عشرة
حتى لو انتبهوا جنود حراسة المعسكر فلن يكون ذلك الا بعد أنتهاء كل شيء ،، حيث كان يعلم القائد ان أغلبية جنود المعسكر وُضعوا في الخطوط الامامية للدفاعات في المعركة
الكبيرة .. جيث ان المعسكر كان مكشوفا من جهتين وعدد جنود الحراسة داخل المعسكر لايكفي لصد حتى ولو هجوم صغير !! اضافة الى انهم غير متأهبين بكامل السلاح
اذاً فلا داعي لتضييع الوقت باستدعاء أي أحد .. ولنحارب كشرفاء ونموت في أرض المعارك .. هذا آخر ما فكر به القائد
كانت تلك الفكرة في غير محلها تماماً ، حيث أنه مالبث أن سقط أحد الرجال الخيالة .. ثم فجأة توقف الجميع
التفت القائد حوله في ذهول تام
كشف لنا المنظر عن عشرين فارساً مقنعاً يحيطون بالرجال من كل الجهات ، في مقدمتهم رجل في أواخر العشرينات من العمر كان يبدوا عليه من هيئته انه قائد الفرسان وهو يقول
بكل حزم : توقفوا عن القتال وياشر بيده للفرسان الخيالة .. ويكمل : انتم قيد الأعتقال ، واذا حاولتم الفرار او المبارزة فستعرفون مصيركم
سرعان ماتوقف الرجال التسعة الباقين من العدو في استسلام وهم يرمون اسلحتهم ودروعهم في خيبة أمل وقلة حيلة ..
كان الفرسان العشرين ملثمين ولم يعرفهم القائد لذا بعدما انتهوا الجنود من تقييدهم واخذهم ، التفت القائد الى الرجل وقال له : من أنت أيها الرجل ؟! ومالذي اتى بك الى هنا ؟
ومن هؤلاء معك ؟!
لم يلبث الرجل أن فك لثامه .. وقال بكل أحترام وتوقير : معك الجندي السابق ( هشام ) ياسيدي ، وكما ترى انني قد قررت اخيراً الدخول في هذه الحرب مجدداً .. بعد اعفائي
بسبب مرض أمي ووفاة ابي ..
فغر القائد في بلاهة وهو ينظر اليه ، وهو يقول : هشام ؟؟؟؟ الاسطورة !!اهو أنت ؟!
ابتسم (هشام) في دهشة وقال : نعم انا .. ( هشام ) الاسطورة كما يزعمون .. وماذا في ذلك ؟ اقالوا لك ان طولي عشرة أمتار ؟
فهم القائد بحنكته مغزاه ثم قال : لا ولكن .... على حد علمي انك قد حاربت في المعارك بما يكفي .. وان لك انجازات مازال الكل يتغنى بها ، يسمونك الاسطورة
وذلك لانه لم يقتل اي جندي في معركة واحدة 105 رجل الا انت !!!
ولكن المرض الذي اقعد امك قد جعلك تترك المعارك لكي تساعدها وتتقاعد لكي تبني لنفسك مزرعة خاصة وتعيش حياة هادئة ، اهذا صحيح ؟
اوما ( هشام برأسه ) موافقاً القائد ، ثم أردف : كله صحيح ، ولكني جئت هنا لغير الغاية التي جئت من اجلها المرة الاولى ..
نظر اليه القائد نظرة الحيران : ثم قال : ولم جئت اذاً ؟
نظر هشام نظرة نحو الشمس التي تكاد تغيب ثم قال :جئت لكي أنهي هذه الحرب ..
،،،،،
نكممل بكرة ،، تكسرت ايديني :(
|