أغنيــــــة قــــــبل الرحــــــيل
قبل أن أرحل عن هذي الديار قبل أن أضرب في تيه البحار
قربي مني..اسمعي أغنية لحنها ضم هدوئي وانفجاري
صغتها من لهفة الروح..ومن رعشة الشوق..ومن قسوة ناري
رجفت في قلمي فانسكبت.. أحرفاً تكتب مأساة اندحاري..
اسمعيها..وارقبي أصداءها حيت تأتيك على بعد المزار..
ما أمر اللحن يجتاح الفما موجعاً..ينزف ناراً ودما..
ترعش الذكرى على خفقته رعشة الطائر في الفخ ارتمى..
ويثير الأمس جرحاً..كلما ضجّ في الأضلع أحيا الألما..
لن أناجيك بأنغام المنى وصدى اللوعة يكسو النغما..
أنت من فجّر بركان الأسى فاسمعيه يتلظـــى حمما..
أأعيد الأمس؟ قولي! أأعيد وهو في وحشته طيفٌ بعيد؟؟
آه! كم كنت غريراًَ عندما خلت أن الحب ميلاد جديد..
عندما أعطيته من خافقي دفقة أججها الشوق العنيد..
عندما صورته لي مرتعاً فسنيني فيه نجوى وشرود..
أيها الطفل! تنبه! فالهوى عالم مر.. وشكوى وقيود..
كيف أسلمت قيادي للمنى؟ وحسبت الحب فردوس الدنى؟
كيف أهرقت على محرابه صبوتي الأولى.. وشوقي الأرعنا؟
كيف ناجيتك مأخوذاً بما كنت أدعوه ينابيع السنا؟
لم تكوني في حياتي امرأةً كنت فجراً باسم النور.. دنا..
آه! لو أدركت في لحظتها أنت كالناس.. وكالناس أنا..
لستِ فجراً عبقريّ اللمحات أنت أنثى..مثل باقي الأخريات..
نام في أعماقك الطين..وإن أومضت في شفتيك البسمات..
وزها في نفسك الكبر.. كما عربدت في جانبيك الشهوات..
وأنا لاتكذبي لست سوى.. عابرٍ ضاق بأغلال الحياة..
في دمي ألف صراعٍ خالدٍ وبأعماقيَ تبكي الظلمات
إنني أجهل حتى مقصدي أتمنى أنني لم أولد..
أنا في قفر حياتي ضائعٌ سار في الركب بخطو مجهد..
لفني الليل.. فما أدري وقد وئد النور بماذا أهتدي..
أين أمضي؟ ياسؤالاً لم يزل ظامئاً يقرع سمع الأبد..
هذه الرحلة ما أغربها أترى ندري مداها في غد؟
*
يعجز العلم وتعيا الفلسفة في جواب نشتهي أن نعرفه
ماالذي نبغيه؟ مابال الفتى ضائعاً ماعاد يدري هدفه
هذه الأشواق.. ما أسرارها حين تجتاح القلوب المرهفة؟
أي لغز ذلك الحب الذي كلما لامس قلباً أتلفه؟
*
أي لغز ذلك الحب؟ أجيبي! ولماذا تهمس الروح ( حبيبي)؟
ولماذا يخفق القلب إذا باحت النظرة بالوجد المذيب؟
ولماذا يذبل الشوق كما تذبل الأضواء من بعد المغيب؟
ولماذا والأسى يحرقنا نستطيع العيش في ظل اللهيب؟
ولماذا إن بسمنا مرةً غاضت البسمة كالظل الغريب؟
*
أيها الحب.. لقد آن الفراق لم يعد في قلبي الدامي اشتياق
عبث اليأس بأشواق الصبا مثلما يعبث بالبدر المحاق
كل مانزعمه عن حبناكذبٌ..كل أغنينا نفاق جفت القبلة في بسمتنا وذوى في برد قلبينا العناق
فلنقل: (إنا مضينا..وانتهت قصة سطرها عمر مراق)
*
هكذا نسدل ياليلى الستارا هكذا يحتضر الحب احتضارا
هكذا تهزمنا قصتنا بعد أن كنّا حسبناها انتصارا
هكذا شاءت لنا أقدارنا: جفّت الخمرة.. وانفض السكارى
اذكريني في غدٍ إن خفقت بين أضلاعك أشواق الحيارى
وإذا أحببت بعدي فاعلمي أنني بعدك أحببت مرارا
1962 م
1382 ه