عرض مشاركة واحدة
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 11-01-2006, 03:02 PM   #4

مستشار

جامعي

 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
التخصص: هندسة
نوع الدراسة: إنتظام
المستوى: متخرج
الجنس: ذكر
المشاركات: 209
افتراضي



اهلا وسهلا بكم مجددا

ااسف على التاخير في الجزء الثاني



اليكم مع التحيه


قررت أن تسير على قدميها . المسير .. حتى ولو طال ، يظل أرحم لامرأة .. من الانتظار‎ ‎تحت شمس حارة ، على قارعة طريق .. أمام سجن ..! سارت غير بعيد ، فبدأ الأطفال‎ ‎يتعثرون تعباً.. وعطشاً ، وهي .. قد امتلأت قنوطاً .. " لا معنى للوقوف والانتظار‎ " .. ‎كانت ‏تصرخ فيهم‎ .

توقفت إلى جانب الطريق سيارة ، ونزلت منها امرأة‏‎ .. ‎وقصدتها : - نوصلكم .. يا أختي ..؟ ‏اطمأنت لوجود المرأة ، لكنها لم ترد بسرعة على‎ ‎عرضها. الشمس .. والأطفال ‏العطـــــشى ، الـــذين هدّهم الإعياء ، لم يدع لها‎ ‎مجالاً للرفض .. فردّت بتردد : - ‏جزاك الله خيراً .. لكن بيتنا بعيد ..! - لا يهم‏‎ .. - ‎أخشى أن ... - لا .. لا يوجد أي مشكلة ‏‏.. جلست في المقعد الخلفي ، وتراص‎ ‎الأطفال حولها . كانت حريصة ألا يقوموا بأي عبث ‏في السيارة . فهي مرّة .. تسحب يد‎ ‎هذا من زر قفل الباب ، وتارةً تمنع يدالآخر من أن تمتد ‏لزر زجاج النافذة . بين سحب‎ ‎يــد هذا .. ومــنع ذاك ، كانــت كذلك ، تسعى للسيطرة ‏على أصواتهم وحركاتهم‎ : ( ‎اجلس .. لا ترفعي صوتك .. عيب .. أزعل عليك ... ) . ‏سلسلة من الأوامر والتوجيهات ،‎ ‎تتخللها ( قرصة ) أو ( ضربة‎ ) ..!

الصمت الذي التزم به سائق السيارة ،‎ ‎والمرأة التي معه ، جعل مسموعاً .. ما يصدر منها ، ‏من توجيهات وأوامر لأولادها‎ .. ‎وكذلك احتجاجاتهم على العقوبات ، التي توقعها بهم ، بسبب ‏حركتهم الزائدة . شعرت‎ ‎بالحرج بسبب ذلك، لكنها لم تكن قادرة ، أن تترك الأطفال وشأنهم ، ‏يزعجون الرجل ،‎ ‎وربما يتلفون شيئاً في سيارته . كأنما بلغ بها التعب أشده .. أو أحست ‏بالاحباط ،‎ ‎فانخرطت في بكاء .. يسمع له نشيج . كانت قد نهضت هذا الصباح، وأيقظت ‏الأطفال في‎ ‎ساعة مبكرة . أوصلت البنت الكبرى ، التي تدرس في المرحلة المتوسطة ،إلى ‏مدرستها ،‎ ‎وأعطتها مفتاح المنزل .. تخشى أن تتأخر عن موعد خروجها من المدرسة ، ‏فتضطر البنت‎ ‎للــــبقاء في الشارع . في كل مرّات قدومها إلى هذا المكان ، لم تحضرها ‏إلا مرّة‎ ‎واحدة . يومها .. انتهبتها الأعين الجائعة . لقد صادف في تلك المرّة أنها لم تلبس‎ ‎جوارب ، وحينما نزلت من السيارة ، انكشفت ساقها . لاحظت أن عشرات الأعين لجنود‎ ‎ومراجعين ، كانت متسمرة على باب السيارة ، تنتظر لحظة نزولها ، وانكشاف‏‎ ‎ساقهــــــــــــــا .. مثـــــل ( كاميرات ) ترصد حدثاً .. وتتأهب ‏لوقوعه . اتسعت‎ ‎الأحداق ،عند نزول البنت ، وارتفاع ثوبها .. لتستوعب المشهد . ثم حين ‏استوت الفتاة‎ ‎على قدميها ، وأصلحت من وضعها ، وسارت لتلتحق بأمها وإخوانها .. ‏استدارت العيون ،‎ ‎وتحركت الرؤوس .. لـ ( اصطياد ) مزيد من التفاصيل ..! تلاحظ هذا ‏السلوك كثيراً‎ .. ‎حيثما تذهب . فما أن تهم امرأة بالنزول من سيارة ، حتى تتجه نحوها ‏الأنظار‎ .. ‎وتتسمر عيون بعض الرجال على باب السيارة . يجري هذا مــعها هي .. ومع ‏الأخريات . لم‎ ‎يحدث في أي مشوار سارته بالسيارة ، أن نجت من نظرات فضولي يتلصص ‏عليها ، أو على‎ ‎نساء غيرها .. في السيارات التي بجانبها . في ثرثرة مع إحدى الزميلات .. ‏كان‎ ‎التساؤل ملحاً : " لماذا بعض الرجال في مجتمعنا مهووسون .. جائعون جنسياً ؟ لماذا‎ ‎الافتراض أن ( كل ) امرأة ، تمشي في الشارع ، أو تقف على جانب الطريق ، أو حتى‎ ‎تتحدث على الهاتف .. لحاجة لها، هي هدف جنسي .. بالضرورة .. " ؟‎ !

بكاؤها‎ ‎أثار انتباه الرجل والمرأة ، فتهامسا قليلاً . التفتت المرأة بعدها .. وقالت‎ : - ‎فيه شيء ‏‏.. يا أختي ..؟ أحست بالحرج ، وحاولت التوقف عن البكاء .. ولم ترد . - نقدر‏‎ ‎نساعدك ‏بشيء .. ؟ - ما تقصّرون .. ! - زوجي يقول أنه ثالث مرّة يشوفك هنا .. لحالك‎ ‎، عند ‏بوابة السجن . - ............................. - سلامات .. عسى ما شر ..؟‎! - ‎ولدي ‏مسجون .. وصار لي مدة ما شفته ..! - شدة .. وتزول ، إن شاء الله . لكن .. صعب‎ ‎المرأة ‏تأتي لوحدها ، لمثل هــــــذه الأماكن ..! - زوجي متوفى .. وجماعتي‎ ‎مشغولون..! ‏كأنما ذكر زوجها .. وحالة الإحباط التي تعيشها ، وانتقاد المرأة المبطن‎ .. ‎لحضورها لهذا ‏المكان ، فتق جرحها وأيقظ حزنها .. وأثار في ذهنها خاطر : " أكانت‎ ‎ستأتي .. لو كان هناك ‏‏( ترتيباً ) يصون حياءها ، ويحفظ كرامتها .. ؟ ".. فعاودت‎ ‎البكاء ثانية . عادت المرأة ‏للتهامس مع الرجل مرّة أخرى ،ولمدة أطول، ثم التفتت‎ ‎إليها .. وقالت بلهجة لا تخلو من أسى ‏‏: - آسفة .. أنا لم أقصد .. لكني أشفقت عليك‎ ‎من التردد على هذا المكان ، وما يمكن أن ‏تتعرض له امرأة مثلك ، وكذلك .. رحمت هؤلاء‎ ‎الأطفال .. - أنا أعيش ذلاً ، وأخضع ‏لابتزاز .. في كل مـــرّة أجيء فيـها .. من‎ ‎أجـــــل أن أرى ابني .. ! - الله ‏يكون في عونك .. سنحاول مساعدتك قدر استطاعتـنا‎ ..

خيـــم صـمت على الجميع . بعد أن ساروا مسافة ، قطع الرجل الصمت ،‎ ‎بحـــــــديث خافت ،كان يتبادله مع المرأة.. توجهت المرأة بعده ، بالحديث إليها‎ : - ‎زوجي ضابط في إدارة السجون ، وهو يسال إن كان بالإمكان أن تزودينا ببعض المعلومات‎ .. ‎لنستطيع مساعدتك . - معلومات .. مثل ماذا .. ؟ - اسم الولد .. وقضيته .. ورقم‎ ‎هاتفك ليتم ‏الاتصال بك .. - من يتصل بي .. ؟ ! - زوجي .. أو أحد من الإدارة .. - لا‏‎ .. ‎أرجوك . ‏لا أريد أن يتصل بي أحد .. لقد أعطيت رقمي لأحدهم .. فكان يتصل في ساعات‎ ‎متأخرة من ‏الليل .. بدعوى أنه يريد أن يسهل لي زيارة ابني ..! - زوجي رجل صالح‏‎ ‎وشريف .. ولا ‏‏.. - عفواً .. أنا لا أتهم زوجك . لكني لا أريد أن يتصل بي أحد‎ .. ‎وأفضل أن يكون الاتصال ‏بيني وبينك ..! - معك حق .. لا تلامين ..! هل يمكن أن نعرف‎ ‎اسم الولد .. وقضيته ؟ - ‏الولد اسمه منصور الناجي .. قضيته مضاربة ..! - أنا جواهر‎ .. ‎أم عمر . إذا اتصلت .. ‏أقول أم منصور ..؟ - نعم .. سارة .. أم منصور . جزاكم‎ ‎الله خيرا .. وصلنا ، هذا البيت .. ‏الثالث على اليمين‎ .

بعد أن نزلت سارة‎ ‎وأطفالها ، استدارت السيارة متجهة نحو الطريق العام . عند الإشارة .. ‏كان هناك‎ ‎أطفال يبيعون مناديل وماء .. بعضهم حفاة‎ ..

‎- ‎مسكينة .. تكسر الخاطر‎ ..! - ‎من .. ؟ ! - المرأة ..! - صحيح‏‎ ..

كان ساهياً .. ينظر إلى الأطفال ، الذين‎ ‎لفحت الشمس‎ ‎قسماتهم الغضة ، وتيبس العرق على ‏أطراف جباههم . في الجريدة .. اليوم ،‎ ‎قرأ لرئيس التحرير.. في عموده اليومي ، حملة ضد ‏هؤلاء الأطفال ، الذين سماهم أطفال‎ ‎الشوارع ، وذكر أنهم يشوهون الوجــــه ( ‏الحضاري ) للمجتمع ، ويقدمون صورة سلبية عن‎ ‎الوطن . قبل أسابيع زار مقر الصحيفة، ‏ضمن وفد من الإدارة التي يعمل بها . استقبلهم‎ ‎رئيس التحرير ، وكان في وداعهم أيضاً . ‏كان لطيفاً .. حسب تعبير الزملاء ، فحينما‎ ‎صحبهم إلى الخارج ليودعهم ، قصد سيارته ‏المرسيدس (600 ) ، فتحها وأحضر مجموعة هدايا‎ ‎، أطقم أقلام .. ووزعها عليهم . الزميل ‏الذي بجانبه ، أسره المشهد الأخّاذ للسيارة‎ ‎الفارهة .. والطريقة الباذخة ، التي تنفتح فيها ‏الأبواب .. وتغلق ، فمال عليه‎ ‎هامساً : - السيارة روعة .. تصدّق إن سعرها نصف مليون ‏ريال .. فقط .. ؟‎!

مشهد رئيس التحرير ، بحذائه الإيطالي ذي الألف ريال ، يختال في الممرات‎ ‎الرخامية لمبنى ‏صحيفتة ،وسيارته ذات النصف مليون ريال ، يقف صارخاً أمام منظر‎ ‎الطــــفل حافياً .. ‏جفت شفتاه ،يمد ساعده النحيل ، بزجاجة ماء ، قيمتها ريال . بين‎ ‎المشهدين يتمدد مقال عن ‏الوطنية ، يشتمل على حملة ضد أطفال ، لم يأتوا من الفضاء‎ .. ‎وإنما ( نبتوا ) على أرصفة ‏شوارع الوطن ..! بين المشهدين ســـيارة بنصف ملـــيون‎ ‎ريال، وقدم صغيرة حافية ‏‏.. وأفواه جائعة ، يتــــربص بهـــا رئيس تحرير .. يرفل بــ‎ ( ‎وطـنية ) وطن .. ‏لم يمش يوماً على أرصــــفته .. ولم تلفـحه شمسه .. ! يذكر أن‎ ‎الصحيفة ، أعدت العام ‏الماضي ملحقاً جميلاً عن السياحة ( الوطنية ) ، وتعرضت إلى ما‎ ‎تؤدي إليه السياحة في ‏الخارج ، من هدر للمال الوطني ، يعد بمليارات الريالات‎ . ‎حينما صدر الملحق ، كان رئيس ‏التحرير ، حسب خبر نشرته الصحيفة ، " يستقبل في مقر‎ ‎إقامته الصيفي في جنيف ، وفداً ‏أوروبياً ، للتعريف بالــثقافة الوطنية‎ " .

‎- ‎هذا المنافق ..! قالها .. وهو يمد ورقة النقود للطفل ، ويتناول منه زجاجة‎ ‎الماء .. ثم يدفع ‏الصحيفة جانباً .. بغيظ ، ليضع زجاجة الماء مكانها . عرفت أنه‎ ‎يقصده . لأنه منذ عاد من ‏زيارته تلك .. إلى الجريدة ، وهو لا يســميه إلاّ كذلك‎ : ‎كتب المنافق .. قال المنافق..! ‏التقطت الصحيفة ، وفتحتها على الصفحة التي ينــشر‎ ‎فيها عموده اليومي . وجدت المقال ‏الذي استثاره : " وطنٌ جميل بـــدون أطفـــال‎ ‎شوارع ..! " . حينما ناقشته مرّة .. عن ‏سبب نقمته عليه ، قال : " هذا وأمثاله ، هم‎ ‎أصل الـبلاء . لا ينشرون ، ولا يكتبون .. إلاً ما ‏يرضي المسؤول الفاسد .. الذي‎ ‎يضــــــمن لهم البقاء . يلمعون ( اللصوص ) ، ‏ليأكلوا من فتات موائدهم .. ما علاقة‎ ‎هؤلاء بالوطن ..؟‎! " .

حين فرغت من قراءة المقال .. أدارت رأسها تجاهه‎ : - ‎صاحبك مرّة أخرى ..! - هل يكتب ‏هذا التافه .. عن حال هذه البائسة.. أو يحس بهؤلاء‎ ‎الجياع ،الذين يتناثرون على الأرصفة ؟‎!

عندما دخلت سارة البيت ، نظرت إلى‎ ‎ساعتها . الوقت قريب من الواحدة ظهــراً . صلّت ‏وشرعت في إعداد الغداء . نادت على‎ ‎ابنتها، وطلبت منها أن تنتبه للقدر على النار ، ريثما ‏تجري اتصالاً هاتفياً . - ألو‏‎ .. ‎السلام عليكم .. الإدارة القانونية .. ؟ - عليكم السلام .. نعم ، ‏أي خدمة ؟ - لو‏‎ ‎سمحت ، أنا زوجة عبد الله الناجي .. موظف سابق .. أحب أن أسأل عن ‏معاملته .. ماذا‎ ‎تم فيها ؟ - قصدك .. قضية الدية والتعويض ، لورثة الأستاذ عبد الله .. الله ‏يرحمه‎ .. ‎؟ - نعم .. الله يحفظك .. - والله يا أختي ما صار فيها جديد ..! رجعت المعاملة‎ ‎إلى الإدارة القانونية . محامي الشركة المنفذة ، نقض الحكم الذي صدر من المحكمة ،‎ ‎وطلب ‏التمييز ، وتحويل القضية إلى قاض ثان .. - لكن .. يا أخي هذه رابع مرّة ، تنقل‎ ‎القضية إلى ‏قاضي آخر .. لماذا المحكمة لا تلزم الشركة .. ؟ - والله ما أدري . هذا‎ ‎من صلاحيات ‏القاضي .. وما أقدر أفصل لـــــك ، أنــــت تعـــــرفين ( البير وغطاها‎ .. ‎‎!) . - ‎طيب .. أنتم ما لكم دور .. أنتم تعرفون القضية بكل تفاصيلها .. ؟‎ - ‎الأستاذ خالد مدير ‏الإدارة ، مهتم .. ويقدر ظروفكم ، ويحاول يساعد ، لكن يبدو أن‎ ‎الموضوع ( أكبر ) منه .. ‏يعني ما يخفاك‎ ..!

زوجها كان قد توفي في حادث، قبل‎ ‎ما يقرب من ثلاث سنوات ، في موقع تــــــحت ‏الإنشاء ، يتبع للدائرة التي يعمل فيها‎ . ‎منذ ذلك التاريخ .. والشركة المنفذة للمشروع تماطل ‏في دفع الدية ، بحجة أن الموظف‎ ‎، حينما دخل موقع العمل ، لم يلتزم بشروط السلامة ، فهو ‏لم يرتد الملابس الواقية ،‎ ‎المطلوبة في مثل هذه الأماكن . ثـــــم لمّا لم ‏تفلـــــــح هــــذه الحجة ، اختلقت‎ ‎الشركة ذريعة أخرى لتمتنع عن الدفع ، وهي ‏أن الموظف لم تكن طبيعة عـــمله‎ ‎مـــــيدانية ، وإنما جـــــــــاء ( ‏تطفلاً ) .. لذا فهو يتحمل مسؤولية الـــذي‎ ‎حـــدث له.. ! الشركة يملكها أحد أصحاب ‏النفوذ ، وهو ما قصده الموظف في حديــثه لها‎ ‎،حينما ألمح إلى أن المحكمة لا تستطيع أن ‏تلزم الشركة بالحكم ، الذي يقضي بدفع‎ ‎الدية .. فهذه هي ( البير وغطاها ) ..! قضية ‏التعويض التي تطالب بها ، وبقية حقوقهم‎ ‎المالية .. مرت بأطوار غريبة . أحـد القضاة ، ‏الذين وقعوا تحت تأثير صاحب النفوذ ،‎ ‎حكم مرّة .. إلا أن الحكم لم يُميّز ، بأن الحادثة ليس ‏فيها دية ، لأن ورثة‎ ‎المتوفى، على حد قوله ، يقبضون راتباً تقاعدياً ..! حتى الراتب التقاعدي ‏كاد ألاّ‎ ‎يأتي ، بسبــب خطأ في إدخـــال البيانات الخاصة بــــزوجها ، ارتكبه ‏الموظف الذي‎ ‎كتب مباشرته للعمل ، قبل سبع عشرة سنة . استحقاقات نهاية الخدمة ، ‏حــــــرموا‎ ‎مـــــنها ، لأن إدارة شـــــــــــؤون ‏الموظــــــــفين والمــــالية ، ( تأكد‎ ) ‎لها ، أنه توفي بعد وقت الدوام ‏الرســمي .. الساعة الثــــــــــــانية وأربعين‎ ‎دقيقة . كمـــــا ‏أنــــه ،إضافةً إلى ذلك ، لم يكن مطلوباً منه أن يذهب إلى‏‎ ‎مــــــوقع العمل ، بل ‏ذهب بدافع الفضول . حرمانهم من استحقاقات نهاية الخدمة ، فسر‎ ‎على أنـــــــه ‏مــــــوقف ( وطني ) مــــن المدير ، لحفظ أموال الدولة..! هذه‎ ( ‎الذريعة ) ‏أيضاً، هي التي أستـندت علــــيها شـــــركة ( صاحب النفوذ ) ، وأعدت على‎ ‎أساس منها تقريراً ، تماطل فيه ، في دفع الدية المقررة شرعاً‎ .

‎- ‎يا أخي‎ .. ‎أليس ظلماً أن يأكل ( هذا ) الرجل ،حقوق هؤلاء اليتامى ، وهو الذي ضاقت ‏البنــوك‎ ‎بملايينه ، وينقطع مدى النظر عن الأراضي التي يملكها ..؟ كيف يبيح القاضي ‏لنفسه أن‎ ‎يحرمنا حقاً قرره الشرع لنا .. أليس هذا ظلماً ..؟ - هذا ليس ظلماً .. بل ( ظلمات‎ ‎بعضها فوق بعض‎ ) .. !

قررت أن تذهب للمحكمة المستعجلة ، لتقابل الشيخ حمد‎ ‎المقفي ، الذي أحيلت إليه قضية ابنها ‏، لينظر فيها . في الصباح الباكر ، أخذت معها‎ ‎أحد أبنائها. عندما وصلت المحكمة ، بعد ‏جولات طويلة ، قام بها سائق سيارة الأجرة‎ .. ‎بحثاً عن موقع المحكمة ، كانت الساعة تشير ‏إلى الثامنة وعشرين دقيقة . الجندي الذي‎ ‎يقف على باب المحكمة ، أخبرها أن أغلب (المشايخ ‏‏) لا يحضرون إلاّ عند الساعة‎ ‎التاسعة ، وبعضهم لا يأتي إلاّ في العاشرة . - الحمد لله .. ‏همست في سرها . كانت‎ ‎تخشى أن تكون قد تأخرت ، فانشغل الشيخ ، وربما يطلب منها ‏العودة في يوم آخر ، مع‎ ‎بدء الدوام الرسمي‎ ..!

انتظرت إلى العاشرة .. في صالة عند مدخل المحكمة،‎ ‎ولم يأت الشيخ . أخبرها بعضهم أن ( ‏الشيخ ) قد يتأخر أكثر.. وربما لن يحضر اليوم‎ . ‎حينما قاربت الساعة الحادية عشرة والنصف ‏، والشيخ لم يــــحضر .. وقد حان موعد خروج‎ ‎الأطفال من المدارس ، قررت أن تعود ‏إلى البيت ، وتتحدث مع الشيخ عن طريق الهاتف‎ . ‎بعد الصلاة ، في حدود الساعة الثانية ‏عشرة وخمس وثلاثين دقيقة ، اتصلت على المحكمة‎ ‎، وبعد تحويلها إلى مكتب الشيخ ، أفادها ‏شخص ، يبدو أنه مدير مكتبه ، بأن الشيخ قد‎ ‎حضر ، وبت في ( عدد ) من القضايا ، ثم ‏غادر بعد الصلاة . لم تهتم بالوقت القصير‎ ‎الذي مكثه في مكتبه ، لكن لفت انتباهها أنه بت في ‏عددٍ من القضايا في زمن يسير ،‎ ‎فسألته إن كان قد نظر في قضية ابنها . طلب منها أن تتصل ‏عليه في وقت آخر ، بعد أن‎ ‎يراجع السجلات . اتصلت بعد نصف ساعة ، فأخبرها أن ‏القاضي قد نظر في قضية ابنها ،‎ ‎وحكم عليه بسبعة أشهر سجن ، وعِــــوَض يدفع ‏لخصمه ، مقداره عشرة آلاف ريال . وقع‎ ‎الخبر عليها كالصاعقة . لاحظت أن القاضي ( قدر ‏‏) مدة الحكم بالسجن ، لتناسب الفترة‏‎ ‎التي أمضاها الولد مسجوناً ، بانتظار ( المحاكمة ) ،التي ‏كان (الشيخ ) نفسه ، هو‎ ‎الذي يمطّطها .. فمرة (لم يجلس )، ومرة (لم يأت الخصوم ) .. ! ‏لكن الغرامة .. أو ما‎ ‎سماه هو بــ ( العِوَض ) ، لماذا هذا المبلغ .. ؟ كيف حكم القاضي ‏بدفع مبلغ كبير‎ ‎كهذا .. دون سماع رأيهم في القضية . ثم من أين تأتي هي بالمبلغ ؟ أسئلة ‏كثيرة دوت‎ ‎في رأسها ، وملأت قلبها مقتاً.. فانفجرت تتظلم للرجل : - هذا ظلم يا أخي .. ‏والله‎ ‎إن الولد لم يعمل شيئاً ، يستحق عليه كل هذا .. بل هو معتدى عليه.. ! - هذا الذي‏‎ ‎ظهر ‏للشيخ ، بعد أن نظر في القضية .. - كيف نظر فيها .. ؟ هو لم يقابل الولد ، ولم‎ ‎يسمع أقواله ‏‏..! - أنا ما عندي شيء .. ناقشي الشيخ .. اكتبي عريضة استئناف ،‎ ‎وقدميها للشيخ ..! - ‏متى ..! - تعالي بعد غد .. سوف يكون الشيخ موجوداً . - هل يمكن‏‎ ‎أن اتصل بالتلفون ..؟ ‏‏- الشيخ لا يكلم النساء بالتلفون ..! ثم أنت بحاجة لعريضة‎ ‎مكتوبة‎ .

أنزلت سماعة الهاتف ، واستسلمت لبكاء حاد .. عميق . لم يسيطر‎ ‎عليها الـشعور بـ (الفقد) ‏، مثلما يحصل الآن . زوجها مات فجأة ، ففجعها رحيله‎ . ‎الزوج لا يعوض .. والغياب هنا ، ‏ليست حالة انكسار عاطفي ، وغيبة حسية فقط .. بل‎ ‎انهيارات تحدث في نظام اجتماعي متعدد ‏العلاقات . في مجتمع يعلي من قيمة القوة ،‎ ‎بوصفها الحسي والمعنوي ، ويضع لها تراتيبية ‏هرمية .. تتكيء على موروث‎ ‎قبلي ،لا يقيم‎ ‎اعتباراً لأي شكل ( تنظيمي ) ، ويستحوذ ( الذكر ‏‏) فيه ، على كل أشكال ( القوة‎ ) ‎،المادية ، والاجتماعية .. والسياسية . في أوضــــاع ‏كـهذه .. حين يغيب الـــزوج‎ ‎،تعلق الآمال على الولد . الفقد يتمثل الآن أمامها.. مثل ‏حالة موت تدريجي : وفاة‎ ‎الأب .. حجز الولد لدى الشرطة .. ويبدو السجن الآن ، والغرامة ‏المطلوب منها دفعها‎.. ‎بداية غيبوبة طويلة ، وتجسيد موحش للفــــقد .. والدخول في ‏رحــــــــــلة نحو‎ ‎المجهول . المحـــكمة تمثل بدايـــة ‏الرحـــــــــــلة، ويـقف ( القاضي ) بواباً‎ ‎جامد الملامح ، موحش القسمات .. ‏على عتبة ذلك المجهول . الاحساس بالفقد يزداد .. مع‎ ‎توارد ذكريات الزوج الراحل على ‏ذهنها .. والشعور باقتراب المجــــهول ،الموحش‎ .. ‎يفغر فماً ، لابتلاع الابن الذي عقدت ‏عليه الآمال‎ .

ذهبت منذ الصباح الباكر‎ ‎إلى المحكمة . حين دخلت .. كانت تحمل شعوراً غير الذي أتت به ‏في المـرّة الماضية‎ . ‎كرهت المكان ، وبدا لها مثل نفق رطب معتم ، يســــرق أنفاسها ‏‏.. كلما أوغلت فيه‎ . ‎مصير ابنها مرهون بورقة تحرر داخل هذا البناء . لأول مرّة تشعر أن ( ‏الحرية ).. قد‎ ‎تكون في نهاية ( نفق ) .. وأنها باتجاه واحد .. إلى الأمام ..! انتظرت في ‏غرفة على‎ ‎يمين المدخل .. نفس المكان الذي طلب منها أن تنتظر فيه المرّة الماضية ، لما ‏جاءت‎ ‎لتقابل القاضي ، بعد حديثها مع الضابط ، الذي ذكر لها أن قضية ابنها في المحكمة‏‎ ‎المستعجلة . كانت قد نسيت حقيبة يدوية صغيرة .. المرّة السابقة ، ووجدتها في مكانها‎ . ‎لم ‏تفرح بعثورها على الحقيبة .. ليس لأنه ليس فيها شيئاً ثميناً . لكن .. خطر على‎ ‎بالها ، أنه لم ‏يدخل أحد هذه الغرفة بعدها .. فلا يوجد امرأة غيرها تراجع المحكمة‏‎ . ‎انقبض قلبها .. خاطر ‏‏( الفقد ) يتكرس: " كل النساء لهن رجال يراجعون عنهن "..! لم‎ ‎تمكث إلاّ قليلاً ، حتى بدأت ‏الغرفة تمتليء بالنساء . لست وحدك .. لست التعيسة‎ ‎الوحيدة . كان هذا حديث نفسها.. مع ‏كل امرأة تدخل . التجمعات العارضة ، غالباً ما‏‎ ‎تكون وسيلة لبث الشكوى ، وتبادل الهموم . ‏سمعت قصصاً .. دون مأساتها .. وأسوأ منها‎ ‎بكثير . كانت قد أعلمت الجندي ، الواقف عند ‏باب المحكمة ، اسم القاضي الذي لديه‎ ‎قضية ابنها ، ورَجَتْه أن يشعرها بحضوره إذا جاء . ‏بين فترة وأخرى ترسل ابنها إلى‎ ‎الجندي ، ليسأله إن كان ( الشيخ ) قد حضر . قبل العاشرة ‏بقليل ، جــاء الطفل‎ ‎ليخبرها ، أن العسكري يقول أن الشيخ قد وصل . صعدت إلى الدور ‏الأول ، حيث مكــــتب‎ ‎القاضي . دخلت وعرّفت بنفسها لشخص في المكتب ، اتضح أنه ‏الكاتب في مكتب القاضي ،‎ ‎الذي تحدثت معه على الهاتف قبل يومين . غاب قليلاً ، ثم سمح ‏لها بالدخول علـــى‎ ‎القاضي . كان منصرفاً إلى مطالعة ملفات بين يديه ، عندما دخلت : ‏‏- السلام عليكم يا‏‎ ‎شيخ .. أريد أن أكلمك بخصوص الشاب منصور الناجي .. - ماذا تكونين ‏له ؟ - أنا والدته‏‎ ‎يا شيخ .. - ما فيه رجل يتكلم .. بدلاً منك ..؟ - والده متوفى ..! - الولد ‏حكم عليه‎ .. ‎بلغك الحكم ..؟ - نعم .. لكن يا شيخ .. الولد مظلوم .. ما يستحق كل هذا‎ ..! - ‎هذا الذي تبيّن لنا .. بعد دراسة قضيته .. - لكن .. أنت يا شيخ لم تقابله .. ولم‎ ‎تسمع منه . ‏الولد أوقف بوسط الشارع .. واعتدي عليه بالضرب .. - اطلعنا على‎ ‎اعترافاته المصدقة ‏شرعاً ، وعلى تقرير الشرطة ، وتم سؤاله عنها .. وهذا يكفي‎ ..! - ‎لا يا شيخ ما يكفي .. فيه ‏شهود إنه ما كان الباديء .. - أنت تفهمينني عملي .. عندك‎ ‎اعتراض اكتبيه ، ولا تضيعي ‏وقتي .. يلتفت إلى كاتب السجلات عنده ، ويقول : - دعها‏‎ ‎تكتب الذي تريده .. وأرفقه مع ‏القضيه ، لترفع للتمييز .. حاولت أن تقنعه بأن يستمع‎ ‎لها ، لكنه انصرف عنها ، وطلب منها ‏أن تخرج لأنه سينظر في قضية أخرى‎ .

خرجت‎ ‎تنوء بهم ثقيل .. وتبعها كاتب السجلات بورقة وقلم ، وطلب منها أن تكتب اعتراضها ‏على‎ ‎الحكم . سألته بصوت واهن ، إن كان عليها أن تذهب إلى البيت ، وتكتب الاعتراض ،‎ ‎فأشار إلى مكان لانتظار النساء .. في آخر الممر ، ثم انصرف . عندما همت أن تدخل‎ ‎المكان ‏الذي أشار إليه ، سمعت صوتاً يناديها : - يا أخت .. يا أخت .. التفتت إلى‎ ‎مصدر الصوت ‏‏.. عرفته . إنه الشخص الثالث ، الذي كان موجوداً في مكتب القاضي ، حينما‎ ‎كانت تناقش ( ‏الشيخ ) في موضوع ابنها .. وكان يجلس إلى جانب كاتب السجلات . وقفت‎ ‎تنتظر ، لترى ‏ماذا يريد منها .. اقترب قليلاً وقال : - السلام عليكم .. أنا كاتب‎ ‎عدل في المحكمة .. كنت ‏موجوداً أثناء مجــادلتك للشيخ . اطلعت على قضية ابنك ،‎ ‎وأريد أن أنصحك بنصيحة .. لا ‏تكتبي عريــــــضة استئناف .. - لا أكتب ..! ابني‎ ‎مظلوم .. ثم من أين لي عشرة ‏آلاف ريال ..؟ - أتفهم موقفك .. لقد اطلعت على القضية‎ . ‎خصومك أقوياء ، وقد استغلوا ‏ثغرة في تقرير الشرطة .. واعتمدوا على تقرير المستشفى‎ .. - ‎من يحمي الضعفاء أمثالي .. ‏إذا كان خصومهم ( أقوياء ) إذن ..؟ ثم ما شأني أنا‎ ‎بتقرير المستشفى ..؟ انه مستشفى خاص ‏‏.. لماذا يحملني القاضي فاتورة مستشفى خاص ..؟‎ - ‎لا أريد أن أجادل في هذا كثيراً .. ‏والوقت متأخر على ابنك . أنا بحكم اطّلاعي على‎ ‎تعقيدات المحاكم .. مشفق عليك ، وعلى ‏الولد ..! - لم أفهم .. - ابنك .. بناء على‎ ‎حكم الشيخ في القضية ، سوف يخرج بعد أسبوع ‏‏.. - القاضي صمم الحكم ، لكي يغطي المدة‏‎ ‎التي أبقاه فيها في السجن .. بدون وجه حق .. ‏‏- ليس هذا ما أردت . الذي أريد أن ألفت‎ ‎نظرك إليه ، أن اعتراضك على الحكم ، يعني أن ‏تحال القضية إلى قاضي التمييز .. ثم‎ ‎تعود للقاضي الذي حكم فيها، وهذا يعني شهرين على ‏الأقل ، .. واحتمال نقض الحكم ،‎ ‎ضئيل حسب معرفتي .. هـــل فهمت ..؟ أطرقت قليلاً ‏‏.. ثم وضعت الورقة والقلم على أول‎ ‎مقعد ، في غرفة انتظار النساء ، التي كانت تقف على ‏بابها . شكرته .. وهي تتوجه إلى‎ ‎خارج مبنى المحكمة ، تدفع ابنها أمامها‎ .

بعد العصر دق الهاتف . حينما ردّت‎ ‎جاءها الصوت من الجانب الآخر : - السلام عليكم .. ‏سارة ..؟ - نعم .. من الذي معي‎ ..‎؟ - جواهر .. أم عمر . عسى الوقت مناسب ..؟ - يا ‏هلا .. هذه الساعة المباركة‎ .. - ‎زوجــــي رتب لكم زيارة لمنصور .. غداً الساعة ‏العاشرة . سوف يمرّ سائقنا الــخاص ،‎ ‎في حدود الساعة التاسعة ، ليأخذكم إلى هناك .. - ‏الله يجزيكم خيراً .. ويجعله في‎ ‎ميزان حسناتكم‎ .

لم تشأ أن تخبرها عن ( الحكم ) الذي صدر بحق ابنها ، أو‎ ‎النقاش الذي دار بينها وبين ‏القاضي . كانت حريصة على أن ترى منصور .. وتبشره بقرب‎ ‎خروجه ، رغم أنها لم تتدبر ‏‏.. حتى الآن ، المبلغ الذي حكم به القاضي ، مقابل‎ ‎الإفراج عنه .. ولا تدري كيف ستفعل ‏ذلك ..! استعدت ذلك المساء للزيارة . طبخت بعض‎ ‎الأكلات ، وحدثت إخوة منصور ، عن ‏الزيارة المرتقبة ، وأعدت ملابس نظيفة ومرتبة ،‎ ‎ليقابلوا بها أخاهم‎ .

حينما خلدت إلى فراشها ، بعد يومها المرهق .. تحدوها‎ ‎الآمال والأشواق لرؤية ابنها .. رأت ‏في منامها ، كأنما منصور في سرداب مظلم .. طويل‎ ‎، وسحابة قاتمة تطارده . كان يركض ‏أمامها كالمجنون ،يمد يداً .. ويصرخ : أمي .. أمي‎ . ‎ظل يركض .. ويركض ، حتى ألجأته ‏إلى باب ثقيل .. أخذ يهز الباب بعنف ليفتحه .. دون‎ ‎جدوى . أطبقت عليه السحابه ، وهو ما ‏زال يمد يده .. ويصرخ : أمــي .. أمي ..! كان‎ ‎صوته يتلاشى شيئاً .. فشيئا ، حين ‏استيقظت من نومها فزعة .. مرعوبة ، أنفاسها‎ ‎تتلاحق .. وتشعر باختناق . - ما هذا ‏الكابوس ..؟ أعوذ بالله من الشيطان ..! تتذكر‎ ‎أنها قبل النوم قد قرأت ( وِرْدَهَا ) ، وقبل ذلك ‏‏.. كانت قد صلت الوتر ، وقرأت آية‎ ‎الكرسي والمعوذات . ظلت مستيقظة حتى الفجر .. قلقة ‏متوجسة . بعد أن صلت .. نامت إلى‎ ‎حدود الثامنة . حين نهضت ، جهزت الأكل للأطفال ، ‏وبعد تناولهم لإفطارهم ، ألبستهم‎ ‎الملابس التي وعدتهم أنهم سيذهبون بها لزيارة منصور . ‏جاءت الساعة التاسعة ثم‎ ‎العاشرة ، ولم يأت سائق أم عمر .. جواهر ، ولم تتصل هي أيضاً. ‏بدأ يتسلل إليها‎ ‎القلق .. قررت أن تأخذ سيارة أجرة ، ولا تنتظر أحداً . حين وصلت الطريق ‏المؤدية إلى‎ ‎السجن ، وجدتها مغلقة .. وكان هناك دورية من الشرطة، طلب أحد أفرادها من ‏سائق‎ ‎السيارة الرجوع .. ولم تفلح محــــــــــاولاتها وتوسلاتها ، بإقـــناع ‏العســكري‎ ‎،السماح لها بالعــــبور .. ولم يستمع لرجاءاتها المتكررة ، بأن لديها ‏موعداً مهماً‎ ‎لزيارة ابناً لها في السجن .. كان جامد الملامح تماماً‎ .. !

عادت سارة تفكر‎ ‎بالطريق المغلق ، ووجه العسكري .. الجامد القسمات ، والرؤيا التي رأتها ‏البارحة‎ . ‎كانت حزينة .. أنها لم تعـــد بنظرة ، تكحل بها عينيها ، من وجه مـنصور ..! ‏أدار‎ ‎سائق الســيارة الــمذياع .. ربما ليبدد السكون . صوت المذيع جاء أجشاً مرتبكاً‎ : ( ‎موجز أخبار الساعة الثانية عشرة . شب حريق في السجن العام صباح هذا اليوم .. ) . لم‎ ‎يكن ثمة تفاصيل ، لكن المذيع بعد ذلك ، أورد تصريحاً لضابط كبير .. مفاده أنـه قد‎ " ‎تمت ‏محاصرة السجن من جميع الجهات ، وأن الطرق المؤدية إليه تحت السيطرة " .. أحست‎ ‎بوجع ‏‏.. وحزن يشتعل ، وهبط قلبها إلى قاع جوفها .. تتذكر رؤيا البارحة : منصور‎ ‎تحاصره ‏السحابة القاتمة .. ثم تطبق عليه .. صوت يتلاشى ، يدان ترتخيان .. وجرح يعوي‎ ‎في ‏الأعماق‎ ..!‎

 

توقيع مستشار  

 

 

مستشار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس