علي الخبتي
قوالب البناء العقلي لمواكبة العصر
قال ونستون تشرشل ذات مرة " إن إمبراطورية المستقبل الحقيقية هي إمبراطورية العقل" بهذا المفهوم كان البناء الأساسي للأفكار التي قدمها هاورد جاردنر في كتابه المميز" خمسة عقول five minds".وهاورد جاردنر ذو الخمسة وسبعين ربيعاً هو أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد وله كرسي لعلم الإدراك والتربية في نفس الجامعة وهو صاحب نظرية تعدد الذكاء multiple intelligence التي بدأها بسبعة أنواع من الذكاء وأضاف عليها مؤخراً نوعين وأحدثت نظريته ثورة في علم الإدراك وعلى غير توقعه تناول المهتمون بالتربية والتعليم نظريته وأسسوا مدارس تطبق نظريته في أنحاء كثيرة من العالم. فبهذه النظرية نسف النظرية النصفية للعقل المعروفة ووظائف كل نصف. وأثبت أن من نعتقد أنه متأخر دراسياً يمكن أن يكون عبقرياً في واحد من المجالات التسع التي طرحها..هذا ليس موضوعنا اليوم لكنني أردت أن أقدم لصاحب الكتاب الذي سأتناوله هنا هاورد جاردنر محلل بارز للعقل البشري على مدى العشرين عاماً الماضية. في عام 1983 ظهر كتابه إطارات العقل frames of mind الذي أوضح فيه أننا لا يجب أن ننظر إلى الذكاء على أنه قدرة نوعية مفردة بل إن العقل البشري يمكن أن يظهر تسعة أنواع من الذكاء.وكتابه الجديد "خمسة عقول" لا يتعارض مع نظرية الذكاء المتعدد التي يطرحها . فهذا الكتاب ينظر إلى الطرق والأساليب التي يحتاجها المديرون والموظفون ليعملوا بنجاح في القرن الواحد والعشرين.
جاردنر عرض الأنواع الخمسة من العقول المختلفة الآتية :1-العقل المنضبط: وهو العقل الذي يمتلك طريقة واحدة على الأقل للتفكير.وبدون امتلاك طريقة واحدة للتفكير المنضبط سيعمل هذا العقل على نغمة إيقاع شخص آخر.
2- العقل الرابط: وهو العقل الذي يأخذ معلومات من مصادر مختلفة ويربط بينها ويقدمها في إطار منطقي وجديد ومفيد .و من المهم جداً أن يقوم هذا العقل بربط أكبر قدر من المعلومات بحكم تميز هذا العصر بالكم الهائل من المعلومات المنهمرة على مدار الساعة وبشكل مذهل، فهذا عصر المعلومات.
3- العقل المبتكر: وهو العقل الذي يأتي بالجديد دائماً "breaks new ground” " ويبتكر طرقاً جديدة وأساليب جديدة ويطرح أسئلة غير متوقعة ولديه القدرة على الحدس بطرق تفكير غير مسبوقة.والوصول إلى إجابات غير متوقعة.وبهذا فإن العقل المبتكر يبحث عن البقاء سابقاً للكمبيوتر بخطوة واحدة .
4- العقل الذي يحترم الآخرين respectful. وهو العقل الذي يلاحظ الاختلافات بين أفراد البشر وجماعاتهم ويحترمها ويقبلها.يقول جاردنر" لن يكون عدم التسامح وعدم الاحترام خيارات مقبولة وقابلة للتطبيق في عالم نحن فيه مترابطون ومتشابكون. 5- وأخيرا العقل الأخلاقي ethical.وهو العقل الذي يتصور كيف يقوم جميع العاملين بتحقيق أهداف عملهم بطريقة بعيدة عن مصالحهم الشخصية.ويعمل العقل الأخلاقي بناء على هذه المعايير.
ولا يدعي جاردنر أن هذه الأنواع تمثل كل أنواع العقل التي يجب أن نبنيها فينا، لكنه يدعي الأهمية القصوى طلباً لهذه الأنواع في تحيق أهداف العمل وإنجازه بمستوى عالي الجودة. فالنجاح كما يقول " في العالم الجديد يتطلب تمكننا من الانضباط المهني. الشعور بثقل الكم الهائل من المعلومات وما يتبعه من عجز وتكاسل، سمات الذين لا يستطيعون ربط المعلومات ببعضها. والإبداع يضعنا بعيدين عن مكائن الذكاء التي تهدد بجعل غير القادرين من الأفراد أفرادا عديمي الفائدة وعبئاً على المجتمع.
هذه المفاهيم معروفة منذ سنين لكن حدة وطبيعة التحدي اليوم زادت من الحاجة إليها..ويقول جاردنر إن الأفراد الذين لديهم احترام لا يستحقون احترام الآخرين،بل إنهم يسممون مكان العمل.بينما الناس بدون أخلاقيات ينتجون عالما خالياً من عاملين يتسمون بالآداب ومواطنين يتسمون بالمسؤولية.
لقد وضع جاردنر إصبعه على بعض الصفات المهمة التي تتطلبها المهنية في أي عمل في هذا العصر، عصر التحديات الكبيرة. لكنه في نفس الوقت وبنفس درجة الأهمية يوصينا جاردنر بالانتباه لزملاء العمل الذين يبدون متظاهرين باكتسابهم بهذه المهارات المهمة، لكنهم في نفس الوقت يتصنعونها: "انتبهوا مثلاً لأولئك الذين يدعون معرفة بالأمر دون تمتعهم بالخبرة الكافية،المزيفين لزعمهم بإجادة ربط المعارف والمعلومات بينما يقومون بربط عشوائي للمعلومات والمعارف، المدعين الإبداع الذين يملون أفكارا لا تتسم بالعمق أو الجدية، المدعين الاحترام الذين بجهالة يتسامحون. وأبطال الأخلاقيات الذين تقصر معاييرهم الشخصية عن المبادئ التي ينادون بها. ويعتبر هذا الكتاب عملاً جيداً بالرغم من ظن جاردنر أن تطبيقها أمر ليس سهلاً. " إن زمننا عصيب حتى لو كنا نملك عقولاً جيدة. ومن الصعب أن تكون محترماً للبعض عندما يكون الجدل حول السياسة أو الإعلام.ومن الصعب أن تتصرف بأخلاقيات عندما تكون المكافآت والشهرة والمال موجهة لأناس لا أخلاقيات لديهم ولا يحاسبهم المجتمع على تصرفاتهم.