بعد .. يوم ٍ نائم .. يصحو أكثر الشباب شرباً للمسكر ( سالم ) .. يبدو أنه أسرف لأنه .. ساكت .. ولو أنه تحدث لعرف أنه ثمل .. و مع أن الخمرة تخرج حديثاً لا يرغب فيه صاحبه أحياناً إلا أنها عجزت عن استنطاق ( سالم ) .. !
الصلة الغريبة بين أن تصحو مبكراُ بعد سكرة الليل .. هي .. أن نومك غير طبيعي بل كل شي فيك غير طبيعي .. !
يدخل سالم دورة المياه مسرعاً كأنه يبحث عن حاجة هو في الأساس يريد أن يقضيها .. يترنح يمنة ويسره يشاهد آلة التسخين البدائية بالداخل يستغرب منها فهي آلة أسطوانية غريبة تخرج الماء ساخناً تقوم مقام السخانة الكهربائية .. و تعمل على المازوت ( 1 ) .. !
في المطبخ تجلس الشغالة ( زهور ) على طاولة الطعام البلاستيكية المستديرة .. الغير .. مستخدمة من السياح الكرام .. !
( زهور ) امرأة في العقد الثالث ليست جميلة .. قصيرة القامة و سيعة الفم بيضاء البشرة .. تستثمر الشقة السياحية بالمناصفة مع ( أم باسل ) وتديرها و تنظفها و تهتم بساكنيها على كل حال .. و تجيد جميع الأساليب للتعامل مع الخلايجه .. !
يتوجه ( سالم ) إلى الصوت القادم من المطبخ فـ (زهور) دائمة الحديث على .. الهاتف الأرضي .. !
علامات الدهشة تحيط بملامحه يبتسم .. ابتسامة الاستغراب .. و دائماً ما تتزامن هذه الابتسامة مع حالة الخجل .. !
- زهور : أهلين أعملك شاي .. ولا قهوه .. !
- سالم : يهز رأسه رافضاً .. !
- زهور : أستريح هون .. كيف السهرة أمبارح .. !
- سالم : يعيد الشريط في ذهنه فلا يذكر شي ويرد ... الجهر و العيا ( 2 ) .. !
( زهور ) تصب فنجان القهوة من الإبريق الذي أمامها .. محاولة فك شفرة الكلمة السابقة وتفشل .. !
- أتفضل .. بيطيّر السكره .. !
- سالم : راسي يوجعني .. !
- زهور: هذا من الشرب .. اشرب هالقهوه .. اشربها .
- سالم يرتشف فنجان القوة المرة : أنتي صاحبة البيت .. !
يقولها وهو يعلم أنه لم يحدث .. امرأة غريبة .. في حياته قط و لكنه يريد فتح مواضيع .. لسواليف .. و جد ذلك ممتعاً فنطلق لسانه .. !
- زهور : لا أنا الشغاله .. !
- سالم : وين أهلك .. !
- زهور: بالمخيم .. !
.
.
يصمت ( سالم ) لأنه لا يعرف متوقعاً أن تكون عائلة زهور في .. خيمة للعطلات .. أو نحو ذلك وهم في الحقيقة في .. مخيم اليرموك .. أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا .. !
.
.
- زهور .. و ببرود ٍ قاس ٍ قارص : بدك بنات .. !
.
.
يسمع السائح هذه الكلمة بكثرة في أماكن عده ومن أناس ٍ .. كثر .. !
.
.
- سالم في دهشة لا مثيل لها : من وين .. !
- زهور : هّلا احكي معها .. !
- سالم : لا .. لا .. خلي العيال يقومون .. !
- زهور : على راحتك .. !
.
.
حتى عندما يمارس الشخص .. البغاء .. يخجل أن يكون لوحده .. !
.
.
تعمل الشغالة هذه الخدمات .. اللوجستية .. بهدف الكسب المادي فهي تحصل على نسبة العمولة .. من البنت .. حسب أجرتها كلما زاد الأجر كلما زاد الكمسيون ( 3 ) .. !
في الغرفة المجاورة يستيقظ ( مانع ) مستعيداً شريط ليلته البارحة .. كما هي عادته وهو مازال .. مستلقيا ً.. على السرير .. يمعن النظر في سقف الغرفة يتذكر ( رنا ) كيف راقصها وكيف رقصت له .. يتحسس جيب بنطاله يجد القصصاة المكتوب فيها رقمها .. ينهض إلى الصالة باحثاً عن الهاتف لا يجد شي يتتبع .. السلك الأبيض .. و يوصله إلى المطبخ يلقي التحية على ( زهور ) و ( سالم ) .. !
- ويحدث سالم مازحاً : شبكتها .. !
- ويرفع سماعة الهاتف : الووه .. !
- صوت رجل على الخط : مرحبا .. !
- مانع : معلش غلطان .. !
- زهور : مع مين تحكي .. !
- مانع : مع بنت تعرفت عليها البارح في المرقص .. الظاهر غلطت في الرقم .. !
- زهور .. تنفجر ضحكا ً .. و مين حكى معك .. !
- مانع : رجال .. يمكن ابوها .. !
- سالم بغباء : طيب قول له .. ذا بيت محمد .. يا بقرة .. !
- زهور: وشو فيها لو رد رجال أحكي له وين هاي شو اسمها .. !
- مانع : من جد تتكلمين .. إسمها ( رنا ) جعلني لخفه .. !
- زهور : دق مره تانيه .. عادي .. !
- مانع متردد : الووه .. ( رنا ) موجوده .. !
- على الخط : مين بدوو ياها .. !
- مانع لا يريد أن يفصح عن اسمه لدواعي أمنية اجتماعية تم البناء على أساسها : قلها واحد .. !
- على الخط : طز فيك .. يا واحد .. ويقفل الخط .. !
- مانع مخاطب زهور : مو قلت لك إنتي و فمك الشين .. !
- زهور مبتسمه : عيّط ( 4 ) عليك .. !
- سالم يضحك : صبح علينا أنت و مكالمتك البنت تلقاها راقدة .. !
- مانع : كم الساعه .. !
.
.
لا يهتم الزوار من شاكلة الشباب .. بالوقت .. كثيراً في سفرياتهم ولا بتوزيعه فينقلب الليل نهار و ينقلب النهار ليل .. يترقبون ساعة الذهاب إلى المرقص بفارغ الصبر .. هذه هي الساعة الوحيدة التي يهتمون لها ويتمنون لو أن الوقت يمضي بسرعة .. لأجلها .. !
.
.
يشعر مانع أنه لابد من .. التأقلم .. على هذا الوضع بكل ما فيه حتى و إن كان .. ينافي .. بعض معتقداته التي يؤمن بها و يأتي في رأسه .. فكرة .. أن يوقض المعلم القائد الخبرة ( هادي ) لشرح الذي حصل له .. و .. تفسيره وحده من يملك تعليمات الدليل السياحي .. !
- مانع : هادي .. هادي .. قم .. نقمه تنقم زورك ( 5 ) .. !
- هادي من تحت الغطاء : اش فيه .. !
- مانع و هو مبتسم : قد أرقد .. !
- هادي : ريحنا .. !
- مانع : ما شبعت من البارح نوم .. خلنا نروح نتمشى .. !
- هادي : يرفع الغطاء وين انتمشى .. !
- مانع : أي مكان .. !
- هادي : كم الساعه .. !
- مانع : 11 .. !
- هادي : بنروح نجيب غداء بعد شوي .. !
- مانع : وقد ذي تمشيتك .. !
- هادي : دق على السواق .. !
- مانع : من سواقك يا الهامور .. !
هادي اللي وصلنا البارح ( أبو نضال ) .. !
- مانع : وين رقمه .. !
- هادي : على التلفزيون .. !
- مانع : ياخوي قم كلمه أنت أدرى .. !
- هادي : طيب .. طيب .. !
يعود ( مانع ) إلى المطبخ الذي .. إنتشرت به روائح خجل ( سالم ) .. مما تقذف عليه ( زهور ) من سواليف رومنسيه .. !
- مانع مخاطبإ ً سالم : ترى فيه أختراع إسمه مجلس .. اش قاعد بك في المطبخ .. !
.
.
- مانع يفكر في نفسه ترى لماذا هذا التغير في الطباع .. !
في مثل هذه السفريات يتغير البعض بشكل مفاجئ و يرجع ذلك لأسباب عدة منها تغير .. المكان .. و الناس ..و العادات .. و العلاقات .. و .. غيرها .. من المتغيرات .. التي لا يشعر بها الشخص في حينه فمنهم من يصاب بحالة .. ذهول .. و منهم من يصاب بحالة .. حب .. ومنهم من يصاب .. بخمول ٍ يصيب الأطراف .. إلا أنه سرعان ما يكتشفه من حوله في بعض التصرفات الغير معهوده منه في السابق .. !
.
.
يفتح ( مانع ) التلفزيون إذا به لا يعمل .. ينادي الشغالة لتصلحه و يستيقظ ( حمد ) و ( هادي ) يجتمع الكل في غرفة التلفزيون الذي لا يعمل ويدور الحديث التالي .. !
- مانع : كيف السهره يا شباب .. ؟ .. !
- هادي : شي الله يلعن أبو الوناسه .. !
- مانع : وليه تلعنها أبوها ما دامها شي .. !
- هادي : كذا ودي .. !
- مانع : هل وصل بنا الأمر أن نلعن الشي المحبب إلى قلوبنا لكي نشيد به .. !
- هادي : بتحاكيني بدون لغه عربيه باحاكيك .. !
- مانع مبتسماً : طيب باكلمك بالغة العبرية .. !
- زهور تقف أسماعها عند كلمة .. عبرية .. شو حكيت .. !
- مانع : هادي يريدني أن أتكلم معه بالعبري .. !
- زهور : يفضح عرض إسرائيل شو عملت فينا .. !
- مانع : هكذا شاءت الأقدار لماذا نصر على أن تحدث .. بلهجة غير مفهومه .. لدى الغير بينما نحن نملك لغة واحده يمكننا التحدث بها .. !
- حمد يفرك عيناه من بعد النوم : هذا والله التلغواء ( 6 ) اللي ماله راس .. !
( مانع ) يصل إلى قناعة أنه لابد له أن يتحدث .. بلغة .. أخرى تحمل في تعاملاتها غير ما هو معروف عنه .. !
- زهور : بدكو .. بنات .. !
( مانع ) ينصدم هو يعرف أن هناك بائعات للهوى في كل مكان و زمان .. و لكنه لم يتوقع أن يعرضن عليه بهذا الشكل .. لذا .. يصمت ويتأمل بقية الشباب .. !
- حمد : أيوه هاتي لنا ثنتين .. !
- مانع : على الفحم و لا شوايه .. دجاج هم ..عطيلنا ثنتين .. !
- هادي : لا مندي .. هههههه .. !
- حمد يعني ( مانع ) : عزالله أن ذا يفصلها ( 7 ) .. !
( مانع ) يذهب للمطبخ لمحاولة صنع الشاي .. ترفع ( زهور ) الهاتف وتطلب البنات وكأنها تطلب وجبة سريعة .. !
دقائق و يدخلا إلى المطبخ مباشرة ً من الباب بعد أن أغلاقه .. بنتين ترتديان جلبابان ملونه على هيئة محتشمة .. في الشام يلبس هذه الملابس النساء المحتشمات .. كبار السن .. يسغرب ( مانع ) من الدخول المفاجئ .. !
- مانع : نعم .. !
- البنت : الله ينعم عليك .. !
وتضحك مع زميلتها ضحكة ً لم يشاهدها ( مانع ) إلا في الأفلام .. !
( 1 ) المازوت .. باللهجة الشامية نوع من مشتقات البنزين .. !
( 2 ) الجهر و العيا: باللهجة المحلية غاية الروعه .. !
( 3 ) الكمسيون : النسبة باللهجة الشامية .. !
( 4 ) عيّطّ : باللهجة الشامية صرخ في وجهك .. !
( 5 ) قم نقمه تنقم زورك : كلمات تعودت أصحى .. على أصدائها .. !
( 6 ) التلغواء : تغيير اللغة باللهجة المحلية .. !
( 7 ) يفصلها : يطفش .. !