ظاهرة التسول في المساجد.. أرائكم ..

[الحجازي]

في هذه الأيام نجد انتشار لما استطيع أن اسميه بظاهرة التسول في المساجد .. حيث يقوم احدهم ، بعد فراغ المصلين من صلاتهم ، برفع صوته طلباً لمعونة وصدقة الآخرين ، متخذا مكاناً مميزا في المسجد ، وعادة مايكون في الصفوف الأولية.

ومع أن ديننا الإسلامي حكمه واضح في تحريم التسول بجميع أشكاله و أحواله ، لما في ذلك من إظهار للتذلل و الخضوع لغير الله ، وإزعاج الناس بصورة لاتعكس الصورة الحضارية للمجتمع المسلم التي نادى بها رسولنا الكريم .. إلا أن البعض يصر على التسول وطلب الناس ، ويصل الأمر ببعضهم لـ ( استغلال ) المساجد وقدسيتها التي تضفيها على نفوس المصلين في تلك اللحظات.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن السؤال في المسجد فقال(*):
[‏ أصل السؤال محرَّم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كانت ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدًا كتخطيه رقاب الناس، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهراً يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يسمعون علماً يشغلهم به ونحو ذلك جاز.] نقلاً عن غذاء الألباب للسفاريني ‏2 /‏267.

وقد وردت أدلة كثيرة تنهى عن التسول، وسؤال الناس من غير ضرورة أو حاجة ملحة منها:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم ) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر). رواه مسلم.
لاشك أن الناس ليسوا على قدر واحد فهناك الغني وهناك الفقير والمحتاج ، وماذلك إلا لحكمة الله ، ابتلاءً للأغنياء والمستطيعين في أموالهم .و في المقابل فيه ابتلاء للآخرين على صبرهم وعفتهم عن سؤال الناس وتسولهم، والتوجه لله.

سؤال الناس لايباح إلا في حالات ملحة موضحة بالتفصيل في كتب الفقه . والغريب أن هؤلاء يعرضون شهادات تثبت عجزهم المالي وعدم اهليتهم للوظائف نظرا للمشاكل الصحية التي يعانونها، وصور من عقد استئجاره لشقة، مثلاً ، و انه غير قادر في ظل هذه الظروف على إعالة أسرته و أطفاله. لكن ، هل نتصور أن تغفل الجهات الحكومية المختصة النظر في مثل هذه الحالات المثبتة بالأدلة و البراهين ؟.. وهل يعقل ان تغلق الجمعيات الخيرية، والجهات ذات العلاقة أبوابها أمام هؤلاء في حالة تقدموا لها بالأوراق الرسمية ؟! .. في حالة الإجابة بنعم ، فلماذا توجد هذه الجهات أصلاً ؟.

إن الأمر يتطلب وقفة حازمة للحد من هذه الظاهرة ، وذلك لايكون إلا بتوعية الناس بهذه المشكلة ، وتوضيح وجوه صرف الصدقات ، والتي لايدخل في بابها من يتسول في المساجد أو في غيرها.

والله أعلم و أحكم