مـــقـــالات .. و .. مــقـــامـــات .. !

[هذيان]

د. طارق على فدعق

<< دكتوري .. !



فقاقيع


اليوم وكل يوم يبدأ نهارنا بالتعامل مع الفقاقيع بشكل أو آخر...غالبا في الصابون الذي نستعمله بدون أن نفكر في روائعه... نحسب الفقاقيع كروية الشكل وخفيفة الظل دائما، ولكنها في الواقع تأخذ أشكالا أخرى معقدة عندما تتزاحم وتتحلى بخصائص هندسية فريدة جدا ... عندما تجتمع فقاعتان تتلاصقان بزاوية 120 درجة ... وهي خصائص هندسة السداسيات التي نجدها بداخل خلايا النحل وفاكهة الرمان... وعندما تكون ثلاث فقاقيع تتلاقى بزاوية 109 درجات ... أشكال هندسة رائعة مكوناتها سهلة ممتنعة فهي عبارة عن بعض الهواء، مغلفا بطبقة تبلغ سماكتها حوالي واحد على المليون من المتر ... وسر هذه الأشكال الرائعة هو الاقتصاد في تكوين كل فقاعة .... وأهمية هذه الخصائص لا تقتصر على الفقاقيع بداخل علبة الفيمتو أو البيبسي أو على سطح الصابون، فهناك خصائص هندسية فريدة لأسطح الفقاقيع بهرت بعضا من أشهر علماء الرياضيات في التاريخ فوضعوا نظريات خاصة بتلك الأسطح ... ومنهم على سبيل المثال «فطاحل» الرياضيات الألماني «أويلر» والفرنسي «بلاتوه» في القرن التاسع عشر ... وفى القرن العشرين كان أحد أشهر المهندسين المعماريين ويدعى «فري أتو» يستخدم أسطح فقاقيع صابون ليستلهم منها أشكال مبان، وأشهرها مباني القرية الأولمبية في ميونيخ في ألمانيا في مطلع السبعينيات الميلادية...وكان المبدأ هو الاقتصاد في استخدام الأسطح الشبيهة بالخيام...وإن أردت أن تشاهد تطبيقات محلية لهذه التصاميم فستجدها في تصميم بعض المنشآت في الحي الدبلوماسي في الرياض ... ولكن هناك ما هو أهم من كل هذا، فتوجد فقاقيع من نوع خاص جدا تؤثر على حياتنا بطرق عنيفة جدا ولفترة طويلة جدا ... في عام 1634 اجتاحت أوروبا موجة جنون استثمار في الورد ... اشترى ملايين البشر ورودا كاستثمار وارتفعت الأسعار بشكل جنوني وساهم هذا في جنون الاستثمار في الورود...وفجأة انهارت الأسعار عام 1637 وامتنع المستثمرون عن ضخ أية أموال في الورود وانهار سوق الورود...انفجرت فقاعة الورود وفلست آلاف الأسر...يعني مثل ما حصل في سوق أسهم «الدوت كم» الذي كان يشهد ارتفاعات رهيبة، والذي تحول فجأة إلى «دوت نصف كم» فانهارت الأسعار...وطبعا لا ننسى مأساة الأسهم في بلدنا، فبعد أن تضخمت الفقاعة الاقتصادية التي انفجرت وابتلعت ثروات ملايين المستثمرين والمضاربين وكل من دخل السوق سعيا وراء الكسب.
أمنيــــة
تخيل أن أحد الفروع في علم الاقتصاد يهتم بأصول الفقاقيع الاقتصادية فيبحث في الأسس الدماغية لانتشار موجات الشراء اللاعقلانية ... وتحديدا هناك مناطق في الدماغ مسؤولة عن اندفاع البشر وراء الكسب السريع بعيدا عن العقلانية ... وأهم تلك المراكز تسمى «فنتروميديال بريفرونتال كورتكس» VMPF وهي خلف القورة في مقدمة رؤوسنا ... خلف حواجبنا ببضعة السنتيمترات...منطقة تكمن فيها أسرار «الطناش» على معلومات تشير إلى أن قيمة السلع والخدمات والاستثمارات مبالغ فيها .... وطبعا هناك أنواع أخرى من الفقاقيع ومنها «شوفة الحال» التي تعاني منها البشرية... من المستوى الفردي إلى مستوى بعض الحكومات ... وفي مقدمتها إسرائيل التي تتصرف وكأن التاريخ لا يسجل عليها الظلم ضد الشعب الفلسطيني ... أتمنى أن يقينا الله شر الفقاقيع بجميع أنواعها. والله من وراء القصد.