حـين غرقت العروس

مسفر84 · #1 09-12-2009, 08:29 PM

جدة المدينة الحالمة, بوابة الحرمين الشريفين, واجة الوطن,عروس البحر الأحمر جدة سكنتها زمناً وغادرتها حين كان ذلك قدري

فأصبحت من حين إلى أخر أحل فيها زائراً فلا يحلو لي قضاء إجازتي إلا في أحضانها صيفاً أو شتاً.

لي فيها كما لغيري من عشاقها ذكريات الأماكن والوجوه.
يوم فاجعتها كنت في شمالها حين كانت السيول تجتاح شرقها فُجعت وتملكني الحزن والأسى من هول ما سمعت وما رأيت وما حل بإخواننا سكان تلك الأحياء التي أصرت حينها السيول أن تكون تلك الأحياء طريقاً لها فلم تأخذها فيهم شفقة ولا رحمة وبعناد وكبرياء جرفتهم تاركةً وراءها وتحت الأنقاض أجساد برئية حجتها في ذلك أن مواقع سكناهم هي طريقها ولها أن تعبره وقت ما تشاء ولسان حاله يقول: لا تلموني ولكن لموا من خان الأمانة في ( الأمانة) ممن أخذوا لأنفسهم ما ليس لهم.

لقد فجع سكانها, واضطرب عشاقها في كل مكان من العالم لذلك اليوم الذي لا ينسى في تاريخ العروس حين فقدت الكثير من أبنائها أشلاء مبعثرة هنا وهناك وتعالت لأصوات الغرقى تستغيث لتمتد أيادي حانية أيادي استشعرت عظمة المسؤولية وهول الموقف منتشلتاً تلك الأجساد الآمنة في أيام مباركةً فمنهم الصائم ومنهم القائم الذاكر ومنهم من ينتظر في شوق عودة القريب الحاج والجميع يترقب إطلالة العيد. ولكن مشيئة الله سبحانه وتعالى ولا راد لقضائه هو الرحمن الرحيم حالت دون ذلك ولا راد لحكمه.

لينطلق بعدها جمعيات الخير مضمدةً للجراح وسادةً للحاجات , وعادوا الشرفاء المحبين من أصحاب العلم والحكمة من علماء متخصصين وأدباء مفكرين من أبناء جدة وغيرهم ليذكرونا بأنهم لطالما نبهوا وحذروا ودقوا نواقيس الخطر بان هناك أخطار قادمة وأخرى متربصة تتربص خلوة العروس من أعين محبيها لتغتالها فلقد تعددت وجوه اغتيالها من ظلم وإهمال وسرقة وفساد. ولكن لا حياة لمن تنادي.

... أخذت ابحث بين ما يعرض من مشاهد الغرقى ومناظر أكوام السيارات عن ما خلفته تلك السيول الجارف عن تلك الأماكن التي أمضيت فيها أجمل الأوقات وأسعدها ومنها جامعة المؤسس التي أدين لها بعظيم الفضل ففيها منذ زمن تعلمت كما تعلم غيري ومنها بدأت طريقي نحو ما اصبوا إليه.. لقد نالت نصيبها هي الأخرى من غدر الأبناء ما نالت. ومازال عالقاً بذهني من ضمن صور الفاجعة صورةً لكلية الأرصاد والبيئة وهي محاطة بمياه السيول التي لا ترحم ولسان حالها يقول قهراً: حذرت من مخاطر السيول وهاهي تخنقني من كل جانب وتقول لي وشيتي بي فلم يسمعوك وهاأنذا أطبق على أنفاسك والقادم أكثر ترقبي

البحيرة تلك ربما ضاقت يوماً مما يسبك في بطنها فلم يعد تدليلها باسم المسك يؤمن مكرها.

ومع أن الحسرة والتندم على ما فات لا يشفي الغليل ولا يهون من حدة ألم الكارثة فمشاعر القهر وخيبة الأمل تخيم على النفوس إلا أن الأنظار توجهت نحو ملك الإنسانية والأب الحاني وترقبت ماذا سيصدر عن الإرادة الملكية ولم يطل انتظارها فكان أمراً بمثابة البلسم الشافي لجراح المنكوبين وكالصاعقة المدوية لقائمة الفساد ممن سرق أو أستغل أو تغاض أو تواطأ.
.. تساءلت في حيرة وأنا أطالع صحيفة عكاظ في عددها رقم 15806 ليوم السبت 18/12/1430هـ ضمن استشهاد كاتب بتصريح لمسئول في أمانة جدة حيث ذكر: أن الأمانة قد اعتمدت في العامين الماضيين ملياري ريال للإنفاق على مشاريع تصريف السيول والسؤال أين هي؟ .

سؤال أخر: مخططات سكنية تم اعتمادها في بطون الأودية. لماذا ُاعتمدت؟ هل كان الهدف أرضاء للفقراء المحتاجين للمأوى فكان إضرارهم من حيث العطف عليهم؟ أم أن ذلك كان لمصالح فردية لأجلها تم التغاضي عن اشتراطات الأمن والسلامة في حين أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف اسبق من أي اشتراطات هي من إدراك البشر للخطر فلقد نهت ليس فقط عن السكن في بطون الأودية بل وحتى النوم فيها.

وسؤال أخر: لماذا يصر بعض أئمة المساجد وغيرهم على أن ما حدث هو عقوبة من الخالق لما حل من فساد في الأرض وليست جريمة من الخلق. فحين عندما تحل بهم كارثة يعزونها إلى أن ذلك كان من اختيار الرب سبحانه وتعالى يختار الصالحين من عباده فيبتليهم ليمتحن إيمانهم؟؟

... لننتظر جميعاً جدة العروس في حلتها الجديدة.

مع دعواتنا لصادقة للجنة تقصي الحقائق بالتوفيق والسداد وفي انتظار ما ستسفر عنه من نتائج وتوصيات.

خريج آداب وعلوم إنسانية