ورحَلَتْ فَجأْةً...!

[عاشق البرمجة]

لحظات حبست الأنفاس،،

أعيُن أغرورقت بالدموع،،

المصاب جلل والخطبُ كبير،،

فراق مُر والأدهى من ذلك..

حينما يكون بغير إرادتك،،

الأقدام تتزعزع والقلوب تخفِق،،

لطفك يالله وعظيم منك جُد به عليّ،،



الساعة الواحدة ظهرا من منتصف رجب لعام 1425 هــ ،

أدرت عـــجلة السيارة متوجــــهاً نحـــــو المــــــــــنزل ،،

كنت قد تبضعتُ من إحدى المكتبات بما تيـــــــــــــــــــسر،،

لا زلتُ اتذكر تلك المكالمة التي لخبطت جميع الأوراق وبعثرتها،

كنتُ قد شارفتُ على الوصول ،،إتصالُ من الوالدِ على غير العادة في وقت كهذا،،

نبرةُ صوت تخبئْ الكثير من الأمور وكلام مختصر وبشكل مريب على غير المعتاد كلها كانت مؤشرات لأمر ما،،

إرتبكتُ قليلاً ولم أجدْ تفسيرا لما حدث ..،دقيقتين وإتصال آخر لكنه المرة من أحد إخوتي يطلب السرعة في الحضور،،

الصوت كان مشوباً بنبرة ِبكاء ودموع تتوارى خلف مقبض الهاتف ففزّ قلبي حينها ولم أعلم أنّ كمداً ينتظرهـ،

الكثير من الأمور ترائت أمامي ..!

ماذا حدث؟ من أصابه مكروه؟؟هل وهل...؟أسئلة لا تكاد تنتهي،،

لطف الله فقط هو من أوصلني للبيت سالماً فعلى كون الإتصال آتى وأنا على قرب عهد بالمنزل إلا أن

ثلاثة حوادث تقل أو تكثر كنت ساتسبب فيها... فمن يتحكم بالمقود كان جسداً بلا روح..كان شبه سائق ليس أكثر،،

حينما وصلت للمنزل وجدت إخوتي وأبي في الخارج ينتظروني والبعض منهم يبكي،،

لم أحتج إلى سؤال أحدهم عن ما جرى فالإستفهامات قد رسمتها وصغتها بتعابير وجههي ورعدة يدي،،

سبقني أخي الأصغر إلى حيث أنزل فقال لي: ( لقد توفيت جدتي ) -جدتي لأبي -

يالله...لم أستوعب الحدث ...لم أصدق ...لقد سافر فكري وحار عقلي فلا أتخيل أن جدتي هكذا ترحل بدون ميعاد،،

ترجلتُ من السيارة وألقيت نظرة على وجه لطالما عرفتُه لكنه الآن على النقيض تماماً فالحزنُ قد رسم صورة لا تكاد تمحى من على محياه،،

إنه وجه أبـــي ..لم تسعفني الكلمات ولم أستطع أن أقول كلمة واحدة كل مافي الأمر أني نزلت من باب وركبت مع باب آخر،،

مع قسم بيمين مغلظة على أن أرافق أبي لحيث يرقد ذلك الجسد الطاهر - وليقم أخي الأصغر بأعباء المنزل -،،

ركبتُ ولا زلت غير مصدق ولم أسطع أن أخفف عن أبي ما هو فيه ولو بكلمة واحدة فعظيم مصابه ومصابي أرغماني على السكوت،،

كان أبي في موقف عصيب وحق له فأمه التي يوما ما كانت تقف على كل ما يضره ويسره هاهي ترحل عنه بلا سابق إستئذان،،

كان أبي -ولا أزكي على الله أحدا- صابراً محتسباً لا يكُفُ عن الحوقلة وذكر الله ويطلب لها المغفرة ويستعفر لها كثيرا،،

حشرة صدره وصوت بكاءه و توالي دمعاته كانت ترافقه كثيراً وكانت تعذبني فوق عذابي الذي أنا فيه فلم يسبق أن رآيت أبي بهكذا موقف،،

إتصالات لا تكاد تنتهي بعضها يترجم بالرد والأغلب كان للتجاهل مصيره فالحال أصعب من أن يرد على إتصال ما،،

توجهنا لإحدى القطاعات العسكرية والتي بها أحد أعمامي كان قد وصله الخبر وهو بعمله وأراد أبي أن يكون أخاه برفقته،،

صورة عمي تتراء أمام ناظري أمام إحدى المباني العسكرية والصورة لوحدها كانت أبلغ عنوان لحاله فوجه شاحب وبكاء لا ينقطع،،

ركب عمّي وهو يسئل أبي: هل بحق ماتت أمي؟؟ فأجابه الوالد:أن هذا طريق وكل سيسير به... فادعو لها ولا تعذبها فوق عذابها

(إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)

توال نشيج عمي ومعه إستغفار لأمه لا يكاد يقِف ...فلقد كان هذا العم آخر أبناء جدتي وله التعلق الأكبر بها وكل أولادها كذلك،،

يالله لطفك،،،،

لم أقل كلمة واحدة ولم أجرء على أن أخفف عليهما مصابهما أبداً فالذينِ أسمع بكائهم أحدهم الرجل رقم واحد في حياتي والثاني عمي!!

وصلنا لمكان تجمع فيه بعض الأقارب للسفر لقريتنا التي تبعد قرابة المئتي كيلو حيث توفيت بها جدتي والكل كان يشاركننا أحزاننا ،،

لم أنزل ولم أفعل سوى أن تناولت كأس ماء يروي الخاطر قليلا ...ترك أبي قيادة السيارة فقلبه وعقله قد سبقاه إلى حيث ترقد والدته،،

لا أدري لم كنت غير مصدقٍ لوفاة جدتي فحبي العظيم لها والذي لم أحبب به إمراءة قط بعد أمي مثله كان لهذه الجدة رحمة الله عليها ونورهـ وضياءه،،

طريق ممل وقد رآيت فيه طولاً لا يكاد ينتهي ...جنبات السيارة لا تكاد تنتهي من إستغفار عمي لأمه ودعوات أبي وبكائهما ايضا،،

وصلنا للبيت لا نبحث سوى عن جدتي حتى ولو انها قد رحلت رحيلاً لا لقيا بعده في دنيا فانية..،،

توجهت صوب المنزل وإذ بصياح إحدى عماتي يرتج به المكان...يا إلهي لم يزد أبي وعمي وأنا معهم على أن شاركوها في عويلها،،

أهزوجة جماعية بصوت عالي بلحن البكاء وبطعم حزن فراق الأم وعلى مسمع ومرآى الجميع قطعت بذلك نياط القلوب ولم يزد أحدا على أن شاركهم بماهم فيه من حزن،،

أخبِرنا بأن جسد جدتي التي لطالما إلتصقت به عطفاً وحناناً..حباً وصفاءاً..الجسد الذي لطالما إرتميت به إذ ظلمني أحد أو ظلمت أحدا حين جهل،،

جسد يحمل روحا طاهرة لطالما أحبت الخير للجميع ولطالما حلَمَ على من ظلمه..تلك الروح التي لطالما إستيقظت في غياهب الليل ترفع كفاً طاهراً

تسئل فيه أن يهدي الله لها أبنائها وبناتها وأحفادهم فكان أن أخرجت تلك الدعوات إثنين من أبنائها يؤمون الناس في صلواتهم وخُطبهم،،

تلك الروح التي لطالما رفقت بأحفادها حيث جعلتهم بمنزلة أبناءها وأكثر فكان أن ترجم ذلك من قبل الأحفاد بحب لا حدود له وبإمتنان لا يكاد يُعلم مداه،،


جسد جدتي لا يزال بالمستشفى ولم يغسل بعد ولا بد من أن نصلي عليها المغرب وأعمامي الذين في الرياض يصعب أن ينتظروا لأن من إكرام الميت سرعة دفنه

هكذا كان رد الوالد والذي كن جدي يقول بقوله ويرى برآيه فالصلاة ستكون المغرب بمسجد القرية وليُخبر كل من فيها بذلك ،،

ذهبنا إلى المستشفى ..دخلتُ الغرفة مسرعاً ..الجسد مسجىً ومعه روحي وقلبي ..كُشِف الغطاء قبلت رآسها ولم أصدق أنها قبلة للوداع!!

آآواهـ منك أيها الوداع فلطالما فطّرت قلوبا تبكي كمدا وحسرة على من تحب..وكنت قاسياً بدرجة لا تُحتمل ولا تطاق ايضا،،

دخل واستل من أحبتي قمتهم وأبهاهم...تفقد البشر فوقعت عينه على قلبي ولُبُ فؤادي..تلفت يمنة ويسرة وجال بناظرهـ فأصابت أغلى من أملك،،

بالفعل إنه الحق الذي لا يحبه أحد...نعم إنه الموت ..زائر لا يستئذن..آمنا بقدر الله وإنا لله وإنا إليه راجعون،،

غُسِلت وكُفِنت وصلينا عليها المغرب وقُبرت بعد ذلك ولم اشئ أن آترك قبرها فلقد علمت الآن أنها إنتقلت إلى دار غير دارنا،،

دعوت الله لها كثيرا وبكيت عليها كثيراً فلم أفكر مجرد التفكير أن جدتي ستسبقنا إلى الدار الآخرة بهذه السرعة رحمة الله عليها،،

رحمة الله على القلب الحاني الذي لطالما عطف على مسكين ورفق بفقير وحن على حفيد ورفيق،،

رحمة الله على القلب الحاني الذي لطالما حافظ على فروضه و واجباته فلقد رآيتها وربي سباقة في ذلك شآنها شآن جميع أهل البادية الذين لم تغيرهم تمدّن أعوج،،

رحمة الله على القلب الحاني الذي لطالما إعتنى بزوجها وتربية أبنائها والوقوف على خدمتهم والسعي لسعادتهم فلقد كان وضحا أيما وضوح أمراً كهذا،،

مرت تلك الليلة بكل ما تحمل من أحزان وأكدار ..مرت مظلمة موحشة بكل ما تعنيه الكلمتين من معاني،،

لم ينهي تلك الليلة سوى نشيج وبكاء عالي لا يكاد ينتهي..قمت من شيء يزعم أنه نوم فوجدت عمي قد وصل للتو من إحدى المُدن،،

إستيقظ أبي وذهب لأخوته يسلم ويعزي كل واحد اخاه ويهدأ من روعه ويطلب منه الصبر والدعاء لها فقد أفضت لباريها ولا جدوى من البكاء،،

تظاهرت بالنوم لأني لا أقوى على مواقف كهذه فرسوبي به مسآلة وقت ليس إلا...صلينا الفجر وسلمت على أعمامي وجلست بينهم لا أحرك ساكناً،،

إلى هذه اللحظة لم أتكلم عن موقف جدي من وفاة جدتي ولم أقل حرفاً واحداً في رباطة جآشه وكبير صبرهــ لسبب بسيط وهو أن قلمي لا يسطع إلى ذلك سبيلا،،

الزوجة التي لطالما صبرت معه على متابع الحياة ومشاقها فقد كان الوقت وقت جوع وقلة ذات اليد وفقر مدقع يعم أرجاء القرية والمملكة عموما،،

الزوجة التي أنجبت له أغلب أبنائه وأكبرهم وتعبت عليهم حتى قاموا بأمورهم واستوى عودهم،،

نعم لقد اخفى جدي حزنه على فراق زوجه لكنّي قرآت ذلك في كل تعابير وجه وفي كل حركاته وسكناته وكلماته وفي كل أمره،،

فأحمرار العين الشديد وشحوب الوجه وتغير النظرات كانت علامة بارزة لا يستطيع جدي أن يخفيها...!

سمعته يدعو لها بالمغفرة ويقول أنه لا يحمل عليها شيئا وأنها ماتت وهي لم تغضبه وفي حل منه قال ذلك على ذات طلب من أحدهم،،

كان صابراً صبر الرجال الأوائل ..كيف لا يكون صابراً وهو الرجل الذي لطالما عرف بعبادته لربه وشدة قربه من ربه ودوام إتصاله بربه ولا نزكيه على الله،،

عِشتُ بعد هذه الحادثة أيام لا استوعب ما حدث فلقد ترائت لي جدتي في كثير من المواقف...خيالها لا يزال يطوف بي..صورتها أُبصِرها في كل مكان..!

حنانها وعطفها أشعر به في كل وقت..بسمتها وصفاء قلبها يخالج قلب كثيراً..جدتي ماتت بجسدها لكن روحها لا تزال تعيشني ولم تبرح أن غادرتها،،

كل ما آتذكرها أسبح بخاطري وفكري لآتذكر مواقفها معي ..ضحكاتها وقفشاتها..دروسها ومواقفها معي..حبها وحنانها..،،

وداعاً جدتي ...في جنان الخُلد نلتقي بإذن الله..لم ولن ننساك ما حيينا..،

صدقيني لم أجرء على دخول بيتك بعد رحيلك فنوره قد خبء وجماله قد مُحي و شغفنا به قد دفناه بمجرد رحيلك،،

مصلاك قد حن إلى لقياك الذي تفاجئ بإنقطاعه وسجادتك لا زالت تئن لوجه لطالما عانقته كثيراً كثيراً،،

شجرة الرُمان وأوراق النعناع والليمون قد ذبُلت يا جدتي بعد رحيلك فهي ايضا لم تقوى على فرقاكِ،،

وختاماً...!

لا أدري مالذي دعاني للكتابة عن جدتي بعد خمس سنين خلت...،

لكن شعوراً داخلياً يدفعني لذلك فلم استطع من ذلك فكاكاً فكان ما قرآتم،،

لا أزيد على أن ادعو الله أن يغفر لها ذنبها ويمحو وزرها ويرفع ذكرها ويجمعني بها و والدي و والدي والدي وأعمامي وعماتي وأقاربي

وكل من أحب والمسلمين عامة في جناته جنات النعيم ،،

ربي ارحمها وتب عليها إنك انت التواب الرحيم

الثامنة من صباح الثلاثاء 1/ 7 / 1430 هــ

[مني يغار الورد]

لاحول ولاقوة إلا بالله وإنا لله وإنا اليه راجعون
والله كلمات أبكتني ..لكن ومثل ما ذكرت بأن هذا هو طريقنا الذي لامفر منه
أسأل الله أن يغفر لجدتك ولجميع موتى المسلمين وأسكنهم فسيح جناته .آمين آميين

[لندنية]

الله لايورينا مكروه بحبيب او قريب

[الإمبراطورة]

اللهم إرحمهآ وأدخلهآ فسيح جنآتكـ..

يالله الفرآق صعب.. صعب جدأ,,
لكن
نحمدُ الله على نعمة النسيآن.. فلولاه لمّ ولن تستمر مسيرة الحيآة..

دمــــــــ سآلمين ــــــتمـ

[عاشق البرمجة]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مني يغار الورد لاحول ولاقوة إلا بالله وإنا لله وإنا اليه راجعون والله كلمات أبكتني ..لكن ومثل ما ذكرت بأن هذا هو طريقنا الذي لامفر منه أسأل الله أن يغفر لجدتك ولجميع موتى المسلمين وأسكنهم فسيح جناته .آمين آميين

اللهم آمين،،

بارك الله فيكي أختي الفاضلة،،

[~Aspirant~]

الله يرحــــــمها ويغفر لها ذنوبها

ويحفظ لي جــدي وجدتي

وجداتكم

[northstar]

عاشق البرمجه

كتاباتك رائعه بحق
انصحك بالتوجه
الى الكتابه الصحفيه

فانت مبدع بحق

ورحم الله جدتك
وسائر المسلمين

[*صبا*]

الله يرحمها هدا طريق كلنا ماشييييين عليه

بس انت مثلي جدي لابوي مات قبل عشره سنوات

تعرف يعني ايه عشر سنوات يعني عمر لماكنت ثاني ابتدائي

بس والله والله والله الين اليوم اتدكره وابكي

لاني كنت حفيدته المحبوبه عنده من بين بنات عمي

الله يرحمه هدا الشي الي اقدر اقوله

[عاشق البرمجة]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لندنية الله لايورينا مكروه بحبيب او قريب

اللهم آمين
بارك الله فيكي أختي الفاضلة

[عاشق البرمجة]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الإمبراطورة اللهم إرحمهآ وأدخلهآ فسيح جنآتكـ.. يالله الفرآق صعب.. صعب جدأ,, لكن نحمدُ الله على نعمة النسيآن.. فلولاه لمّ ولن تستمر مسيرة الحيآة.. دمــــــــ سآلمين ــــــتمـ

اللهم آمين،،

نعم من نعم الله علينا أن رزقنا النسيان وإلا لغدت حياتنا شقاء في شقاء،،

بارك الله فيك