وهناك حقوق بين المتحابين توجبها وتفرضها هذه المحبة ،
ويُسْتَدل بها على صدق الأخوة وصفاء الحب ، منها : أن تحسب
حساب أخيك فيما تجره إلى نفسك من نفع ، أو ترغب بدفعه عن
نفسك من مكروه ، وقد أوصى النبي- صلى الله عليه وسلم- أبا
هريرة بقوله : ( وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحبه لنفسك وأهل
بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، تكن مؤمنا )
رواه ابن ماجة وحسنه الألباني .
ومنها ما تقدمه لأخيك من دعوات صالحات حيث لا يسمعك ولا
يراك ، وحيث لا شبهة للرياء أو المجاملة ،
قال - صلى الله عليه وسلم - : ( دعوة المرء المسلم لأخيه
بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه
بخير قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل )
رواه مسلم ، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه ، دعا
لأخيه بتلك الدعوة ، لأنها تستجاب ويحصل له مثلها .
ومنها الوفاء والإخلاص والثبات على الحب إلى الموت ، بل حتى
بعد موت الأخ والحبيب ببر أولاده وأصدقائه ،
وقد أكرم النبي - صلى الله عليه وسلم -
عجوزاً جاءت إليه ، وقال : ( إنها كانت تغشانا أيام
خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان )
رواه الطبراني ،
ومن الوفاء أن لا يتغير الأخ على أخيه ، مهما ارتفع شأنه ،
وعظم جاهه ومنصبه .
ومنها التخفيف وترك التكلف ، فلا يكلِّفْ أخاه ما يشق
عليه ، أو يكثر اللوم له ، بل يكون خفيف الظل ، قال بعض
الحكماء : " من سقطت كلفته دامت ألفته ، ومن تمام هذا الأمر
أن ترى الفضل لإخوانك عليك ، لا لنفسك عليهم ، فتنزل نفسك
معهم منزلة الخادم " .
ومنها بذل المال له ، وقضاء حاجاته والقيام بها ، وعدم ذكر
عيوبه في حضوره وغيبته ، والثناء عليه بما يعرفه من محاسن
أحواله ، ودعاؤه بأحب الأسماء إليه .
ومنها التودد له والسؤال عن أحواله ، ومشاركته في
الأفراح والأتراح ، فيسر لسروره ، ويحزن لحزنه .
ومن ذلك أيضاً بذل النصح والتعليم له ، فليست حاجة أخيك إلى
العلم والنصح بأقل من حاجته إلى المال ، وينبغي أن تكون
النصيحة سراً من غير توبيخ .
وإن دخل الشيطان بين المتحابين يوماً من الأيام ، فحصلت الفرقة
والقطيعة ، فليراجع كل منهما نفسه ، وليفتش في خبايا قلبه فقد قال
عليه الصلاة والسلام:
( ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما )
رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني .
هذه بعض فضائل المحبة في الله وحقوقها ، وإن محبة لها هذا
الفضل في الدنيا والآخرة لجديرة بالحرص عليها ، والوفاء بحقوقها ،
والاستزادة منها ، { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا
ربنا إنك رءوف رحيم } (الحشر 10) .