-
بلا هدف
هذه قضيّة هامّة ، ينبغي أن يُفرد لها موضوع مستقل حتى لاتفقد مالها من أهميّة حينما تُدرج هاهنا ، في خضمّ هذه المحاور العديدة ، ولكن لو نوقشت هنا من منطلق الضد يُظهر حسنه الضد ، فقد نوفيها بعد الحديث عنها جزء مما تستحق من تمييز عما ورد هنا عمومًا .
إن قلنا بأننا نسير في هذه الحياة بلا هدف ، فنحن إذن نجعل من أنفسنا حيوانات بلا عقول -وإن كنا في الأصل نصنّف حيوانات عاقلة- هل نحن فعلًا نسير في الحياة بلا هدف ،
حتى ولو كان هدفًا قريب المدى ، مثلًا : بعد قليل سأبدأ باستذكار المادة " س "، وفي العقل مجموعة أمور مرتبة ترتيبًا تصاعديًا مختصة بأمر الاستذكار ، تنتهي بمجموعها عادةً إلى ما يعرف بـ " هدف " ، لأجل تأدية امتحان جيد ، لأجل الحصول على درجة عالية ، لأجل رفع المعدل الدراسي ، لأجل الحصول على معدل تخرج عالي ، لأجل الحصول على مرتبة تخرج عالية ، لأجل نيل وظيفة مرغوبة ومناسبة ، لأجل توفير حياة كريمة لي ولأسرتي التي سأنشئها مستقبلًا ، لأجل ..... ، هنا هدف جميعنا نسير على أمل تحقيقه ، وغيره الكثير مثله .
إذن مابالنا نقول بأننا نسير بلا هدف ؟!
برأيي لأن فكرة الهدف في تصورنا وتراكماتنا المكوّنة منها شخصياتنا ، مشوّهة ومحرّفة كثيرًا ، الهدف في منظورنا غالبًا يتمحور ويتمركز وينطلق من الدين وينتهي في وإلى الدين ويخدم الدين فقط لا غير ، الدين الذي هو كذلك محصور في أذهاننا في قوالب جامدة ، إذن ذلك
الهدف أعلاه ، بمنظورنا هذا ، ليس هدف ! ، بل غريزة حيوانية لن تفيد الدين ولا البشرية ، نعتقد بذلك وإن لم تصرح به عقولنا تصريحًا مباشرًا دقيقًا واضحًا
عندما حصرنا مفهوم الهدف على الدين ليس إلا ، ناقضنا بذلك الفطرة الإنسانية التي جبلنا عليها ، فأصبحنا نعتقد بفكرة أننا بلا هدف ، لأننا في سعينا الدؤوب لا نخدم -حسبما نظن- إلا أنفسنا وغرائزنا وشهواتنا البشرية ، بينما الإسلام سخّر الإنسان للعبادة وإعمار الأرض على السواء ، فلو اقتصرنا في أهدافنا على الدين -كما نظن أنه ينبغي ذلك- فنحن نهمل بطبيعة الحال إعمار الأرض ، ولكننا عندما شوّهنا مفهومنا للهدف وانحرفنا به ، وجعلناه مقصورًا على الدين ومنطلقًا منه ومنتهيًا إليه ، فناقضنا فطرتنا السليمة ، وملنا ميلًا حتميًا بشريًا فطريًا غرائزيًا بأهدافنا عن طريق السواء وميزان الحق ، إلى إعمار الأرض وحسب ، هربًا من اعتقادنا الخاطئ بتمحوّر الهدف حول الدين فقط وتحقيقًا لمتطلباتنا البشريّة الغرائزيّة ، ووضعنا لافتة كبيرة في عقولنا أعمتنا عن رؤية الطريق كُتب عليها " بلا هدف " ، فأصبحنا نسير بأهدافنا الدنيوية الغرائزية إلى بناء الحياة الدنيا ، في حين أننا إن صححنا نظرتنا وتصورنا الخاطئ نبقى بذات الأهداف ولكن ننطلق من المنطلق الصحيح وننتهي إلى الغاية المثلى ، ونسير بثبات الجبال التي لاتزعزها الرياح ، بل ونزيد حماسًا وإخلاصًا وصدقًا وقوةً في السعي لأهدافنا ، والتصحيح هو السير وفق أهدافنا الحاليّة البسيطة في نظرنا لأجل تحقيق أمرين ، عبادة الله وإعمار الأرض على السواء
نحن نسير سيرًا موفقًا نحو أهداف ، ولكننا ننطلق من نقطة دفع خاطئة ، لاتملك قوة كافية لدفعنا دفعًا كافيًا للثبات على الطريق والوصول إلى الغاية والمبتغى