تركي الدخيل
أقوال "المهايطية" في السياحة الداخلية!
تستعد العائلات السعودية التي تعيش في مناطق تصبح صيفاً غير صالحة للاستخدام الآدمي، للهروب من درجات حرارة زادت على 50 درجة مئوية والعهدة على الشاشة الإلكترونية المنصوبة على طريق الملك عبد الله في الرياض.
فمن مجهز حقيبته ومن مجدد جوازه ومن صابغ شعره ومن مغير ألبسته هاجراً ثوبه، ولو مررت إذ مررت على مبنى الخطوط في حي المروج ورأيت التكدس والازدحام، ولو رأيت الناس وهم يركضون وقد عضّوا أسفل ثيابهم باتجاه موظف الخطوط وينتظرون الساعات وينفقون الأموال يبتغون سفراً يبعدهم عن موجات الغبار وأطنان الأتربة التي تتداخل في أنفاسك فتحيل أنفك إلى "طعس" صغير، لو رأيت كل ذلك لعلمت أن الشاشة الإلكترونية ذات الخمسين درجة تمتلك من العلم طرفاً.
قال أبو عبد الله غفر الله له: والسفر مظنة تعزيز ظاهرة المهايط. سئل: فما المهايط غفر الله لك؟: قال مه! لقد سألت عن عظيم أما علمت أن ابن منظور قال في كتابه (لسان العرب): "والهِياطُ والمُهايطةُ: الصِّياح والجَلَبة"، وقد صدق لسان ابن منظور، بعضهم إذا أراد أن يسافر يصرخ في المجلس بأعلى صوته معلناً أنه ذاهب إلى الخارج، مستنكراً تضييع المال في السياحة الداخلية والإنفاق على سفر يعتمد على لحس الآيس كريم والتدلي وسط التلفريك والتفرج على القردة ليسأل من بجواره الذي شبع من صراخه ومن رؤية بلعومه: وحنا ناقصين قروده؟
يسافر هذا "المهايطي": بعد أن يلبس نظارته الشمسية والخادمة تحمل الولد وتجر الحقائب الضخمة وتغلق أبواب السيارة وتقود أسرة الأخ الشبيهة بـ"الجيش"! كل هذه المهام تقوم بها الخادمة وهي تسير في آخر صف الكتيبة، ليصل إلى موظف الخطوط بنفس شينة، وإذا ركب في الطائرة فإنه يبدأ في "البحلقة" الحذرة، يخشى أن يراه أحد وهو في الطائرة مسافر إلى "الخارج" ومعه أسرته، وما إن يصل حتى يذهب إلى الفندق، لكن بعد كل رحلة السفر هذه ماذا يصنع هذا المسافر الحبيب الذي يشكل نموذجاً يتكرر؟
بعد أن يدفع كل تلك المبالغ ويذلّ الناس عند سفرته يقتصر جدوله اليومي على النوم في النهار والسهر في الليل، أما أسرته فقد نثرها في الفندق يجوبون الشوارع وكأنهم في أي حارة من الحارات، وإذا سألته عن أنظمة البلد وعن طبيعة العيش وعن النسيج الاجتماعي وعن الخطوط الرئيسية للبلدة التي زارها وعن تعامل الناس فيها فسيكتفي بهزّ رأسه وحكّ أذنه. قلت: والسفر إلى الخارج أصبح مادة للمهايط وللتظاهر بين الناس خاصةً إذا كان سفراً مملاً مليئاً سهراً وتبضعاً.