الهيئة !

[Da Vinchi]

إن التعامل مع أي قضية و تناولها يجب أن ينطلق من مبدأ البحث عن الحقيقة كيفما كانت دون الرضوخ لأهوائنا .. لنصل للحقائق ونعيد وضع الأمور في نصابها ونستوضح مكمن الخطأ حتى لا يتكرر .. لا يمكن حصر مسألة نقد الهيئة في ( ما هو رأيك في سندوتشات ركن حجا ؟ ) .. لنكتفي بالإجابة ( لذيذة أو غير لذيذة )
هنا نتحدث عن أرواح أزهقت بسبب ما قد يطلق عليه جريمة اجتماعية في أسوأ الأحوال وفي أحسنها نزوة مراهقين .. لكنها تظل هامشية جدا .. نتفق جميعا - أو هكذا أفترض - أننا نؤمن بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كشعيرة إسلامية فلا خلاف على المبدأ .. لكن يبقى خلافنا على طريقة التنفيذ والتطبيق .. فجهاز الهيئة هو جهاز حكومي شأنه شأن أي دائرة حكومية في هذا البلد .. وأن يسلط عليه الضوء من قبل الإعلام فهذا أمر جيد -باعتقادي- كأي دائرة حكومية أخرى بقصد النقد الذي أفترض - في حال صحة طرفي المعادلة - الناقد و المنقود - أنه يدفع بعجلة التطوير للأمام .. إن عزل هذا الجهاز عن النقد قد يجعله ثابتا في عالم متغير و بهذا فهو يفقد قيمته تلقائيا أو أننا نضفي عليه قدسية ما أنزل الله بها من سلطان ..
للأسف يتحسس البعض من نقد الهيئة ويرمي الشخص الناقد بتهم تشكك بعقيدته وأخلاقه .. بل قد تصل لأن يعتبروا لحومهم مسمومة مما يجعلهم معصومين من الخطأ والنقد !!
إن رفض التصرفات الخاطئة الصادرة من هذا الجهاز لا يعني رفض المبدأ بل الوسيلة .. فخطأ رجل الهيئة يلصق خطأ بالدين بحكم أن دور الجهاز له جانب ديني أساسي يقوم عليه ومن هنا تبرز قيمة الخطأ المضاعف الناتج عن التصرف الخاطئ .. كما أن الجهاز ككثير من أجهزة الدولة الأمنية يفتقد إلى أبسط أبجديات القانون فهو يحمل سلطتين في آن معا القضائية و التنفيذية .. فكيف يقوم العدل إن كان خصمك هو الخصم و الحكم؟!
هناك الكثير من السلبيات يجب تداركها ليرتقي هذا الجهاز المهم جدا بعمله و دوره في المجتمع .. فما هو دور الهئية الذي عرف عنها ؟!
للأسف أهمل النصف الأول من مسمى هذا الجهاز ( الأمر بالعروف ) في التطبيق الميداني و ضخم الشق الثاني .. فأين الأمر بالمعروف ؟! قال تعالى "وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"
أين الدور الاجتماعي الذي تقوم به الهيئة في توعية الناس و أمرهم بالمعروف عبر البرامج المقننة ؟!! لا أقصد أن أتناول مثالب الجهاز بقدر ما أريد أن أوضح أنه بحاجة إلى الكثير و الكثير جدا من العمل المنظم .. فلا يستغرب منه الخطأ في ظل بيئة العمل العشوائية ولا يبنغي أن نتخذ ذلك الموقف الموتور من انتقاده .. لهم من الجهد ما يشكرون عليه لكن في عملية التطوير يجب أن لا ننسى أن نعرف السلبيات و طرق معالجتها ...
فكم في صحفنا المحلية - و أكاد أن أقول بشكل يومي - و كثير من برامجنا التلفزيونية من طرح لقضايا الخطأ الطبي أو الضرب الوحشي الذي يتعرض له بعض الأطفال في مدارسنا
أو البيوت ( العنف الأسري ) متجاوزين بذلك أبسط أبجديات التعامل الإسلامي مع الأطفال .. ولا يصاحب تلك القضايا ما يصاحب قضايا الهيئة من ضجة !! بل ويتوازى مع فضائح مغامرات رجال الهيئة اللامسئولة .. تفخيم لأعمالهم البطولية النادرة التي لا نسمع فيها الا من فترة لفترة على الرغم من ضخامة هذا الجهاز وما يصرف عليه .. وأعني باعمالهم البطولية ما يقومون به على الأرض من مهام حقيقية لها مردودها الفعلي على أمان المجتمع الاخلاقي والاجتماعي ( كـ كشف أوكار الدعارة والقبض على مروجي المخدرات الخ ) في محاولة للموازنة بين أخطائهم وإنجازاتهم على المستوى الإعلامي ليكون لوجودهم أهمية في أذهان العوام من الشعب .. في حين أن كل قطاعات الدولة من الجمارك وحرس الحدود والشرطة تقوم بالكثير من الإنجازات كل في مجاله دون أن يصاحب ذلك أي فشخرة إعلامية ومباركات صحوية .. وأغلب انجازات الهيئة تكون قائمة على بلاغات المواطنين الشرفاء .. هؤلاء المواطنون الذين يصورهم حاملي لواء الدفاع عن الهيئة بالفاسقين الفجرة الذين لن يستقيم دينهم وحياتهم إلا في وجود وصي أخلاقي عليهم ممثلا برجل الهيئة ..
الهيئة أخطائها استفحلت .. ومع الإعلام المفتوح ظهرت مساؤهم بعكس ما كان بالماضي ذا الإعلام المغلق .. فمن الطبيعي أن لا يتم تسليط الضوء إلا على الأخطاء أسوة بباقي قطاعات الدولة .. الهيئة تقوم مقام الشرطة الأخلاقية أو ما يعرف بشرطة الأداب في الدول الغربية .. موظف عليه واجبات يأخذ مقابلها راتب شهري ثابت .. فليست منة ولا عمل تطوعي حتى نشكرهم صبح مساء بمناسبة وبدون .. هل ينتظر الطبيب كلمة شكر بعد إنقاذه مصابا ؟!
ثم هل الطاقم الإداري والميداني للهيئة مؤهل للقيام بتطبيق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
فهناك ضوابط شرعية معتبرة فيما يخص النهي عن المنكر للقضايا التي تحمل هامشا من الخلاف الفقهي .. ويكاد يندر أن تجد من يقر بذلك متجاهلا أمهات المراجع الفقهية في كل المذاهب ...!! و الأغرب من ذلك ..أن تجد من يجزم بصحة رأي فقهي و يحرم خلافه رغم وجوده و إقرار الفقهاء بوجوده و إيضاحهم بأن المسألة راحج و مرجوح ..!!
ومن هنا تبرز أهيمة التأهيل المفترض أن يكونو عليه .. فأغلب موظفي الهيئة ينطلقون في عملهم مرتكزين على نظرة مذهبية ضيقة تفرضها بالقسر والإجبار وقد يرتكزون على أهواء شخصية بحتة .. لا أنكر أن من ضمن الهيئة رجال بمعنى الكلمة يدركون أبعاد عملهم ولديهم الوعي الكافي للتعامل مع مختلف الظروف .. لكن ذلك لا ينفي أن بعض المنتسبين لهذا الجهاز يفتقرون لأدنى مراتب التعامل مع البشر .. والأسوأ حين يتخذ الفشلة والعاطلين من الهيئة ملاذا للحصول على وظيفة .. الذين قد يكون من بينهم من هو صاحب سابقة تائب .. هذه الفئة قليلة الوعي لها أثر سلبي .. وما الحوادث والأخطاء الفادحة التي تسببت بها الهيئة إلا دليل على أن بعض أعضاء الهيئة ينقصهم الوعي اللازم لاحتواء المشاكل ويغلب عليهم طبع التهور .. فيجب أن تختلف ردة الفعل على ما يسمى بالـ"منكر" باختلاف نوع المنكر ودرجته.. فليس من المنطق أن تتم مطاردة شاب بتهمة مصاحبته لفتاة أو خلوة غير شرعية " بوسط سوق !!" كما يطارد تاجر المخدرات المسلح لتنتهي المطاردة المجنونة بمأساة بدعوى أن ذلك من الفساد بالأرض الذي يجب أن يقمع بأي طريقة !! .. برأيي المتواضع أن لهذه الإشكالية علاقة بعصا الشرف السحرية ذات المفعول القوي والعميق لدى أبناء هذه الصحراء المنغمسين في الفحولة التي توارثناها عبر القرون لتثور ثائرة رجل الهيئة ضد كل ما قد يمس الشرف .. فالهيئة ومن يدافع عنها والمتحدثين باسمها يحركون هذه العصا فوق رؤوس العربان ليقنعوهم أن لهم وجود حقيقي وشعارهم الأمثل " بدوننا ستعم الفاحشة أرجاء البلاد " .. وبعملهم هذا يشبهون شخص دخل غرفة الإنتظار وكان فيها فيلا يتربع على ست كراسي كاملة فيتجاهله ويصب جام غضبه على الذباب بتهمة الإختلاط !! ..
فحيلتهم على الضعيف وهذا بحد ذاته سقطة لهم " إنما هلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد "
نقطة أخرى .. التجسس على المسلمين حرام حتى ولو كان هذا التجسس يهدف لتحقيق مصلحة فتحقيق المصلحة غاية والتجسس وسيلة محرمة .. وأين ذهبت فضيلة الستر .. لا اعتقد يخفى على أحد الثواب والأجر لمن ستر مسلما ..

اعتذر عن الإطالة وسلامي للجميع