InstagramTwitterSnapChat


 
وصف

العودة   منتديات سكاو > الأقسام الخاصة > الأقسام العامة > المنتدى الإسلامي
التسجيل مشاركات اليوم البحث
   
   


المنتدى الإسلامي المواضيع الدينية

حصاد الصيف للدكتور عائض القرني

المنتدى الإسلامي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
  #1  
قديم 15-03-2011, 02:31 PM

طريق الابداع طريق الابداع غير متواجد حالياً

جامعي

 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
التخصص: العلوم البحته
نوع الدراسة: تعليم عن بعد
المستوى: متخرج
الجنس: ذكر
المشاركات: 1
Skaau.com (20) حصاد الصيف للدكتور عائض القرني


الشيخ عائض القرني : المكتبة المقروءة

أسفل النموذج



المكتبة المقروءة
حصاد الصيف

المقدمة
احمد الله وحده , واصلي واسلم على من لا نبي بعده ,وبعد: فهذا (حصاد الصيف) كتبته وأنا على سفر ,مرة في السيارة ,وأخرى في الطيارة , مامعي إلا شبابي وثيابي وكتابي وصحابي , كلما مللت سللت القلم فزال السام, لان العمل يذهب الملل , ولعلك تجد فيه عبرة وعظة وفائدة وقافية . ولك مني الدعاء والاحتفاء وتقبل سلامي
د. عائض القرني


أخطاء وحلول
من أخطائنا أننا نعشق الموت اكثر من الحياة, بمعنى أننا نبذ الفناء على البناء, فلو طلبت من المسلمين مثلاً أن يهدموا داراً للباطل لفعلوا وهذا جميل , لكنهم لا يبنون مصنعاً أو معملاً للإنتاج ,ولهذا تجد كل ما نستهلكه ليس مما عملته أيدينا, فنحن عالة على غيرنا في الصناعة والزراعة والطب والهندسة , وكل أسباب الحياة , ونحن مستعدون للموت في سبيل الله وهذا جميل , ولكن ما نحب آخرة طيبة فإننا نريد حياة كريمة فيها عز وبناء وانتاج وعمل .
ومن أخطائنا أننا منهمكون في ذكر أمجادنا السابقة , والتغني بفتوحاتنا وانتصاراتنا التي سلفت ,بينما نعيش الهزيمة في واقعنا ! , فهل ينفعنا أمام أعداء اليوم أن نقول لهم إننا انتصرنا في حطين على الصليبيين ؟.. كل أمة انتصرت أحياناً وانهزمت أحياناً, فلماذا نفشل في حياتنا المعاصرة , ثم نقول للناس اسمعوا واعوا , نحن أبطال بدر واحد واليرموك والقادسية ؟!. ما احقنا بقول الشاعر :
الهي بني تغلب عن مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
إن علينا أن نصلح واقعنا ولا ننسى تاريخنا ,أما أمس الذاهب فقد تولى بخيره وشره , والناس لا ينظرون إلى الوراء , ولا يهتمون بالغائب.
ومن أخطائنا قراءتنا التاريخ للمتعة والتسلية وتزجية الأوقات , مع العلم انه عبرة وعظة وتذكير , وفيه تطبيق عملي لسنن الله تعالى في الكون والحياة , وهو مدرسة الحياة الكبرى ,ففيه تظهر الحكم الربانية , والأسرار الإلهية في الأمم والشعوب والأفراد , وعاقبة الصلاح والفساد ,وقانون النمو والارتقاء والذبول والانحطاط , ومنه تؤخذ الدروس القيمة , والعبر الحية , أما أن نمر على أحداثه مروراً سريعاً , ونطالع قصصه لإشباع هواية النفس و إرضاء الخاطر بحكايات الأولين , فهذا ضياع للعمر وتفويت للمقاصد .

مع مسند احمد
عشت مع مسند احمد زمناً, فكان من احسن أوقاتي واجمل أيامي أن أسافر مع هذا السفر العظيم , واقطف من ثمار السنة, وأعيش بقلبي مع صاحبها صلى الله عليه وسلم ومع أصحابه الأبرار ,في تنقل عجيب لا رتابة فيه بين أبواب العلم ؛ من عقيدة وعبادة ومعاملات واخلاق وسير وملاحم وترغيب وترهيب , فكأنني انتقل من الدنيا تماماً!..فما اجمل وأمتع هذا الكتاب ,خاصة إذا وافق هوى وفراغ بال ورغبة ملحة,واحتراماً وتوقيراً لصاحب الميراث عليه الصلاة والسلام .
واجمل ما في المسند هذه السعة في الرواية , وهذا الكم الهائل من الأحاديث وهذا التنوع والتنقل والتفنن , مع رواه صادقين أولياء , وتحقيق للسند , وجمع للروايات خدمه المحققون ,فجزى الله احمد بن حنبل خيراً, ورحم الله رواة الحديث, ورضى الله عن الصحابة , وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله أهل بيته .

مدح الجليل

احسن ما يبدع الكلام وتُدبج الكلام وتدبج الجمل في مدح الجليل تبارك اسمه , فانه صاحب المدح والحمد والشكر والثناء والملك والمجد عز وجل فإحسانه – جل في علاه- بلغ الغاية وصفاته حوت الكمال , وأفعاله تضمنت التمام , ونعمه جلت عن الحصر , وآلاؤه فاقت العدّ , مع غناه عن خلقه, وعظيم قدره, وقوة قهره, فسبحانه ما اجله أعظمه , فهو مستحق للمدح حقيقة ,وكلما مدحته فهو فوق مدحك وثنائك ؛ لان صفات المحامد هي صفاته ,فكل صفة من صفاته جامعة للكمال والتمام والحسن ,برئية من العيب ,سليمة من النقص ,فجعل في علاه لا اله إلا هو – سبحانه-
المطالعة
مهما بحثت عن اللذائذ وحرصت على المتع فلن تجد بعد العبادة ألذ ولا أمتع من المطالعة في الكتب النافعة ,حتى إن بعض العلماء قالوا: إن كان أهل الجنة يقرؤون فانهم في عيش طيب , وقال أحدهم : ليس بعد ذكر الله تعالى اجل من مصاحبة الكتب , وبعضهم اعتزل الناس والحياة وعاشر الكتب ونظم في ذلك أشعاراً, وله قصص عجيبة في انسه وفرحه بالكتب .فيا من عمل صالحاً مع إيمان , وعنده كتب يقرؤها من كفاف : هنيئاً لك !. لقد استعجلت دخول الجنة ,وقاربت الفردوس , وأشرفت على الخلد ,فاهنأ واسعد وافرح وانعم ,فيا قوة قرة عينك,ويا سعادة روحك ,ويا لذة عيشك ,وطوبى لك .

مقامة الهدهد
خرج الهدهد من فلسطين بعد أن نفض ريشه من الطين , واستهواه حب الاطلاع ,فهب في إسراع ,بين مروج الأزهار ,وحدائق الأشجار ,حتى وصل غير بئيس إلى مملكة بلقيس ,كافر ولاه, يسجد للشمس من دون الله ,فاستغرب وتعجب , وأدار رأسه وقلب,وردد لسان حاله وضرب يمينه بشماله ,وصاح : ألا يسجدوا لله العظيم ذي العرش الكريم ,فهو أحق من عبد ,وأولى من حُمد ,واعظم من له سجد ,فيا له من طائر ثائر ,قصته عبرة لاولي البصائر ,أما سليمان ,صاحب السلطان , رسول الرحمن ,فيسال عن الهدهد ,فلماذا فقد توعده وهدده ,ليجرده ويقيده ,أو يبطحه ويذبحه ,ولينتف ريشه ,ويهدم عريشه ,ويكدر عيشه ,وينسيه طيشه ,فحضر الهدهد من سبأ ,يحمل النبأ ,واخبر سليمان الخبر ,واعلمه بالخطر ,فأرسله بأقصر رسالة ذات أصالة وجزالة , فيها رشد وعدالة ,وحق وجلالة فوضعها في منقاره وقيل بين أظفاره ,ووصلت القصر وقت الظهر ,فوجد الملكة نائمة في القيلولة فطرح على صدرها الحملة بعدما دخل عليها من كوة ,وولج البيت بقوة ,ثم عاد غير بعيد وذاك من الرأي السديد ,ليرى ماذا يكون كل ذلك في هدوء وسكون ,فسبحان من علمه التوحيد والنهج الرشيد ,وأعمى كثيراً من بني أدم حتى صاروا أضل من البهائم ,فانظر إلى الهدهد ,وهذا التودد والصراحة بلا تردد , كيف أدرك حقيقة الإيمان , وأنكر على أهل الأوثان , واخبر سليمان , وجاء بخطاب السلطان , وحصل الأمان ,وزلزلة دولة من الأركان ,فويل لمن كان الهدهد خيراً منه في الحياة, واحسرتاه على من فاقه الهدهد في المعرفة , وياويلتاه وتباً لمن غلبه الهدهد في البصيرة , والمعارف الغزيرة , والمسائل الكثيرة ,مع صحة اعتقاد,وقوة اجتهاد .
يوم زرت إيران
ذهبت مع بعض طلبة العلم إلى إيران ,وكانت الرحلة من جدة إلى الدمام فالبحرين فطهران ,وكنت أتصور قبل الوصول إلى هذه البلد بأنه بلد مغلق مقفل بعد ثورة الخميني التي دمرت الشاه الطاغية المستبد , ووصلنا المطار فوجدنا المتحجبات , مع الجد الصارم والعمل الدؤوب , ورحب بنا رجل عرفناه ,فضحى بوقته من أجلنا , وسرنا في شوارع طهران وكل ما رأيناه إيراني الناس والمصنوع والمزروع والمنسوج ,كله عمل إيراني , أكلهم وشربهم وموائدهم وقصورهم ودورهم وسياراتهم وأخشابهم وأمتعتهم كلها من إنتاجهم ,لم يستوردوا شيئاً أبداً, اللحوم والألبان والدهون والحبوب والفواكه والخضراوات كلها مما عملت أيديهم ,ليس لأحد غير إيران بصمة على كوب أو طاولة أو ثوب وليس لدولة إلا إيران ماركة مسجلة على قلم أو دفتر أو حقيبة أو إناء
الشعب كله يعمل , الرجال والنساء , والدنيا في إيران صخب ونصب في المصانع والمعامل والمتاجر والمزارع ,جِدّ صارم ,حركة دائمة , إنتاج غزير ,بناء و أعمار , مع أنها مغلقة مقفلة
وأعجبني في إيران ثلاثة وأزعجني فيها ثلاثة : أعجبني العمل المنتج , وأعجبني لينهم ورفقهم , و أعجبني اتفاقهم ووحدتهم بغض النظر على صحة نهجهم , وأزعجني في إيران إني ما رأيت المساجد المقامة على تقوى الله ورضوان ,ورأيتُ حسينيات ما دخلتها ,إنما رأيت مصلى به قطع من الحجارة يصلون عليها على أنها ارض كربلاء ,فهل على ذلك دليل شرعي صحيح ؟! وأزعجني في إيران أنني ما سمعت الترضي عن الصحابة الأطهار الأبرار, فلماذا لا يعلن هذا ؟ ولماذا هذا الإصرار على عدم الدعاء لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! وليس هذا فحسب بل هناك طعن وسب وشتم قد يستر عليه تقية ومجاملة , وأزعجني في إيران إنني لم أرى كتب أئمة الإسلام الكبار الأخيار , كالأئمة الأربعة , وابن تيمية والبخاري ومسلم , والسنن المباركة والتراث النافع المفيد , وأي خير عندي إذا اختفى هذا الكنز

و أوجه لأهل إيران ثلاثة أسئلة :

أولها :متى نسمع منكم الدعاء والترضي لأبى بكر وعمر وبقية ذاك الرعيل العظيم مع الكف عن الجرح ؟!
ثانيها: متى نرى شعائر الدين الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم واصحابه معلنةً في المسجد والنادي والشارع ؟.
وثالثها: متى نرى كتب الاسم ظاهرة بلا إقصاء ولا مصادرة ولا حذف ولا شطب .

قال تعالى (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ), وقال صلى الله عليه وسلم ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)).

البذاذة من الإيمان

في قوله صلى الله عليه وسلم (( البذاذة من الإيمان )) دليل على التقشف والاقتصاد في الأمور , والإعراض عن البذخ , وهجر السرف, والتجافي عن الترفُّه, من صفات عباد الله الصالحين ,لان الانغماس في الشهوات ,مع الاهتمام بمطالب الجسم , والشراهة في تناول اللذائذ , والتكالب على المتع الزائلة , دليل فقر النفس من الإيمان , وقحطها من القيم , وإفلاسها من عمار الباطن , وألا فان من عرف تفاهة الدنيا, وحقارة الفانية , وانصرام الأعمار , وتلمح العواقب , انصرف إلى حياة القلوب ؛ من عبادة وذكر وتأمل , وأعطى العقل حقه من العلم والتفكر , وهذب روحه بالأخلاق الشريفة , والآداب السامية ,فشغله ذلك عن خسة الطبع في السعي وراء الشواغل الجسمانية والمطالب الحيوانية , ولا يعني هذا إهمال الجسم والإزراء بالنفس في ملبس أو مظهر , لكن المطلوب اقتصاد في نفقة , وتقشف مع نظافة , واعتدال في مطالب, حتى لا تسقط النفس في الحياة البهيمية ؛ حياة اللهو واللعب والغفلة والإعراض: (( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا )).

أين الاعتبار؟!
رأيت في حياتي شباباً في ريعان الشباب اختطفهم الموت على غرة وزارهم بغتة , كانوا في جمال ومال, منهم المشهور المرموق , ومنهم صاحب المنصب والجاه , وفجأة اختلس من أهله ودوره وقصوره , ثم جرد من ثيابه , وفرق عن أصحابه , واخذ من أحبابه ,فوضع على خشبه ورش بالماء ,ووُدّع إلى باب القبر , فوُضع خدُّه الوسيم الجميل على كومٍ من التراب , ووضع بين صفائح ,بلا أنيس ولا قريب , ولا صاحب ولا زوجة , ولا ولد ولا مال ,فيا لها من موعظة لو وجدت قلوباً, ويا الله كم من عبرة وحسرة وعثرة , وكم من موتة في بغتة , وكم سكتة في فجأة فهل من معتبر ؟ , وهل من تائب ؟,فقد فضح الموت الدنيا فلم يدع لذي لب فرحاً , ويا حسرتاه على غفلتنا ولهونا!!
الإخلاص
ما اجل الإخلاص في العمل , فهو راس الأمر , وبه يهون التعب , وتسهل المصاعب , ويتوفر الأجر و لكن إذا عدم الإخلاص ضاع السعي , وخاب العمل , وفات الثواب ,والإخلاص أن تقصد ربك عز وجل بالعمل ولا تلتفت لغيره؛ لانه المثيب المعاقب , النافع الضار , والناس أصلاً لا يستأهلون صرف شيء من العمل لهم ,فهم اقل من أن يهتم بهم ,فليس عندهم ثواب , ولا لديهم عقاب , ولا يجلبون نفعاً,ولا يدفعون ضراً,فاقصد ربك واطلب ما عنده , واخلص له تجد الفوز والصلاح . وويل لمن أراد غير الله بعمله , فهو الخسران صراحةً, المخذول حقاً.فواجب على المسلم استحضار جلال الله وعظمته , وفقر الناس وهوانهم .
عتاب المشيب
ما أحببت السواد إلا حينما داهمني البياض , وما كرهت البياض إلا بعدما ما فر مني السواد , كان شعري اسود يوم كان قلبي اخضر , ونفسي مشرقة , وماء الشباب في مقبرة الأحلام والآمال والطموح ,سلام الله على شبابي يوم ودعني إلى غير رجعة ,بعدما صحبني فحسوت كاس الحياة لذيذة ,وقطفت غصن المسرة غصناً طرياً, كنت في شبابي أميس في ثياب الصبا كما يميس البدر في هالة من سحاب, وكنت أتبختر في حُلّة الفتوة تبختر الصباح في قافلة من النور, إذا مشيت وثبت , وإذا تكلمت أسمعت , وإذا قرأت حفظت , وإذا فرحت ضحكت وأضحكت , ثم أتاني المشيب فلوى قناتي ,وجرعني بغصصي ,وهد كياني , فتجاعيد وجهي قصائد رثاءٍ لما فات من النضارة , وضمور جسمي أغنية حزينة على وفاة قوتي , اسمع النكتة فلا تهزني , وتمر بي أحاديث الأنس فلا تبهرني ؛لأنني حملت من مآسي الحياة وأتعاب العمر وانكاد المسيرة ما جعلني أفكر في جدوى البسمة وفائدة الضحك

دموع المحبة
بكاء الحب عجيب , ودمع المحبة غريب , وسهم الشوق مصيب, وليس للفراق غير الاجتماع طبيب.
وكان المحبون أسرع الناس بكاءً إذا ذكر محبوبهم جل علاه.
قُرئ كلام الواحد على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فلما سمع : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ.........) الآية فذرفت عيناه!

بادٍ هواك صبرت أم لم تصبرا وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى
كم غرّ صبرك واحتمالك صاحباً لما رآك وفي الحشا ما لا يرى

وسهر eليلة كاملة يبكي ويردد قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
يقول المتنبي :
عجنا فاذهب ما أبقى الفراق لنا من العقول وما رد ما ذهبا

و أبو بكر الصديق يبكي خشية الفراق لما نزلت : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)على الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول : ما بعد النصر والفتح ألا رحيل رسول الله e:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
وعمر الفاروق بشره eبقصر في الجنة , ويقول :أردت أن ادخله فذكرت غيرتك يا عمر فلم افعل , فبكى عمر وقال: أمنك أغار يا رسول الله ؟! :
ليت من لام عيوني في الجوى ذاق ما ذقنا في يوم الفراق
قد شوينا اكبداً قد طويت قبل هذا اليوم والدم يراق
وطالب عمر بقتل حاطب بن أبى بلتعة ؛ لانه أفشى سر رسول الله e,فقال الرسول: ( وما أدراك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ), فبكى عمر!.
كنا نغسل بالدموع خدودنا ونوضئ الأجفان من رياها
ما قاوموا- والله – شدة الشوق , وغلبة الخوف , وحرارة الجوى , بل نكسوا الرؤوس آسفين , ووضعوا الجباة باكين , وخروا على وجوههم ساجدين:
ليتني صنت اللقاء دموعاً ذهبت يوم حان منا الرحيلُ
كنت خففت من لهيب ضلوعي يوم زار الفؤاد همّ ثقيل ُ

وبعض المحبين أتوا إلى المعصوم يريدون الجهاد في سبيل الله فقال لا أجد ما أحملكم عليه من ابل ولا خيل ,فبكوا !,
فقال عز اسمه :
(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ) :
ما عندنا أن منعنا من زيارتكم إلا قلوبا شويناها بذكراكم
يسابق الدمع ألفاظ المحب فلو كانت مدامعة كنزاً لأغناكم
المحبون لو سمعوا من الحبيب كلمة لطارت أرواحهم شوقاً :
(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ), وصلهم من ربهم الخطاب , وقرع سمعهم العتاب , فوقفوا على الأبواب , وقد بلوا بدموعهم التراب:
نسيم على وادي المحبين قد هبا فصب دموع الجفن من شوقنا صبّا
قبضنا على أكبادنا بكفوفنا فيا حزن ما أدهى ويا بين ما أسبى!
(( عينان لا تمسهما النار , عين بكت من خشية الله , وعين باتت تحرس في سبيل الله )), فالقضية عادلة , والعينان شاهدا عدل لا يقبل الزور ولا يعرفان الكذب :
وعينان قال الله كونا فكانتا فعولان بالألباب ما يفعل السحرُ
لقد زادني مر الرياح صبابة إلى أرضهم حتى تناهى بي الصبرُ
انزل الناس منازلهم
إياك أن تهضم من حق أحد أو تضع من قدره, ومن أخبرك أن أحداً ارخص نفسه فقد كذب, ويوم ترخص أنت أثمان الناس بتجاهلهم وازدرائهم إنما تكسب مقتهم وعداوتهم , وسوف يسعون في الإضرار بك والانتقام منك , ولهذا كان من الحكمة تبجيل من يستحق التبجيل وانزاله منزلته اللائقة به , و أما غمط الناس وتحقيرهم فهو دليل على نقص العقل وذهاب الرشد , انك لن تجد من يحترمك ويقدرك حق قدرك ألا من احترمته وأكرمته, وبالمقابل لا تبالغ في رفع أحد عن منزلته فيحطك عن منزلتك ,فإذا بعض الناس لديه لؤم وخسةُ وطبعُ كالحية ,فيظن انك إذا غاليت في إكرامه انه خير منك , فيبدأ بانتقاصك ,فلا ضرر ولا ضرار , أقم ميزان العدل في الحق , واكرم من يستحق الإكرام , واصفح الصفح الجميل , واعرض عن الجاهلين
لا تخطف الأضواء عن العظماء فتبقى في الظلماء
لا يكون لموعك وإشراقك على حساب من هو أعظم منك مكانة وجاهاً؛لانك بهذا تكون عامل تهديد له في حياته, وبالتالي فسوف يبذل الغالي والرخيص في سبيل التخلص منك : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ايثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ) , بل اعمل بشرط أن يبقى كل في منزلته ومحلته, فإذ كنت أستاذاً فلا تخطف الضوء على المدير, وإذا كنت موظفاً فلا تلغِ خيمة المسؤول عنك,وهكذا دواليك ؛ لان من أسباب بقائك وأمنك بقاء الآخرين وأمنهم وعدم زعزعة منزلتهم أو تهميش دورهم وتحطيم مواهبهم .

أحذر من الأصدقاء فقد يكونوا اخطر من الأعداء
العاقل حذر فطن لا يثق بصداقة كل أحد , وربما كان العدو في ثياب صديق يؤْمَنُ جانبه ثم يميل عليك ميلة واحدة , فخف أصدقائك فان الحسد يسرع إليهم بسهولة , ثم أن عندهم المعرفة الدقيقة بنقاط ضعفك وأنت مخدوع بظاهرهم , فتكون النكبة بهم اعظم , حتى قال بعض الحكماء : ((اللهم اكفني شر الأصدقاء فإنني قد عرفت الأعداء )) , فمن الحكمة المحيطة , ومن العقل الحذر , ومن الكياسة حسن السياسة , والحزم سوء الظن بالناس , يقول الشاعر :
أحذر عدوك مرة وأحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق فصار أدرى بالمضرة
ونحن لا ندعو الإنسان إلى سوء الظن , وقلب ظهر المجن , ومعاملة الصديق بغلظة , فهذا ليس محموداً , وانما القصد الحيطة من الناس , واخذ الحذر من الأصدقاء ؛ لان الاسترسال معهم كثير , و إحسان الظن بهم حاصل , فيقع الإنسان من حيث ارتقى من جهة مأمنه , ومن يطالع أخبار الناس وتجارب الأمم يعجب لكثرة من نُكب من أصدقائه, ووقع ضحية لأحبائه , وكما قال المعتصم بن صمادح:
وزهدني في الناس معرفتي بهم وطول اختباري صاحباً بعد صاحب ِ
فلم ترني الأيام خلاً تسرني مباديه إلا خانني في العواقبِ
ولا قلت ارجوه دفع ملمة من الدهر إلا كان إحدى المصائبِ!

ولك أن تعلم أن غالب ما يأتي منه المكروه هو من معارفك , أما من لا يعرفك فلن يؤذيك أصلاً , ثم أن الأقران أمرهم عجيب ,ونبؤهم غريب , فهم أعداء النعمة ,أخوان الرخاء ,يلبسون جلود الضأن من اللين , وقلوبهم قلوب ذئاب . والأقران على أقسام : فمنهم من صرح بالعداوة وأعلن السخط ورفض أصناف الحلول ,فلا يرضيه إلا ذلتك وسحقك تماماً, ولو كان له من الأمر شيء لسعى في شنقك أو رميك بالرصاص ؛ جزاءً وفاقاً على تفوقك وصعودك ونجوميتك , ومنهم من كتم الحسد واظهر الود ولكنه يتربص بك الدوائر , ويترقب الزمان , عسى أن تسقط سقطةً ليس له فيها يد, ولكن لسان الحال يقول: لليدين والفم!, فهو إذا حضر أثنى وأطرى ومدح وبجّل , وإذا غاب قرض ونهش وشمت وتشفّى , ومنهم من أحسن لك مرة من الدهر فاسترقك بهذا الإحسان وجعله سبيلاً لإذلالك وتهميشك ,فهو يذكر إحسانه ابد الدهر , ولكنه استرجعه أضعافاً مضاعفة بتجاهلك وإيذائك , واطر احك , والمنة بما أعطى , والتباهي بما أسدى , ومنهم المصافي لك وليس منه غائلة , ولكن ليس وراءه طائل ,فهو لا يضر ولا ينفع ,ليس له صولة ولا جولة , لا يجلب لك خيراً ولا يدفع عنك ضراً, فليس له رأي سديد , ولا بطش سديد, ولا موقف حميد, وإنما يسليك بالجلوس معه ,ليذهب عنك بذكر الديار والأسعار والأخبار , ولكنه ليس في الثياب رجل ,ولا تحت الغترة بطل وإنما هو سخيف أهبل , قال الحريري لابنه:
لا تغترر ببني الزمان ولا تقل عند الشدائد لي أخ وحميم ُ

إن لم تكن محبوباً فكن مرهوباً
كثير من الناس لا يعترفون بك ولا يرحمونك ولو تحببت إليهم وتأدبت معهم ,لكنهم يتواضعون لك ويحترمونك إذا كنت مرهوباً يُخشى منك , ولك مكانة قد تضر وقد تنفع ,فلا تكن أنت صاحب الجزرة فقط , لكن مع الجزرة عصا ,فان لم تُحَبُّ فكن مرهوباً. إن غالب الناس ليس لديهم رغبة في الشفقة عليّ وعليك, وليس عندهم وقت في التضامن معنا , وبمكانهم ذمنا لو استطاعوا ,فلا اقل من أن يكون لنا صوت أو منفعة أو خوف مضرة , أما الوقوف على باب التسول ليتفضلوا علينا برحمتهم فلا.
عليك بالسخاء فان الناس تمقت البخلاء
العظماء أسخياء ؛لان أرواحهم طرية, وايديهم معطاءة ثرة, ووجوهم متبلّجة , فلا مكان إذن للبخلاء في عالم العظمة ودنيا المجد , وليس بينهم وبين الناس ود ولا وفاء ,فمن أراد أن ينبل فليكن سخياً بماله وجاه وعلمه وخلقه؛ لتحفه الأرواح , وترتاح له الأنفس ,ويحفظ اسمه التاريخ :
(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
ومن يك ذا مال فيبخل بماله على قومه يُستغنَ عنه ويذممِ

الأسرار مجلبة للإخطار فاكتم السر ما استطعت
من استنام الناس وأبدى لهم مكنونه وأباح لهم بأسراره سلم لهم قيادة ورهن نفسه لديهم, وما أن يخرج سرك إلا وتصبح ذليلاً عند من أفضيت إليه, وربما ينقلب الصديق وتطلق المرأة فيذيعون أخبارك , وربما أمراً تذيعه فتجد من الصوارف ما يحرمك تمامه ؛ (( من كتم سره كان الخيار في يده)) , وفي الحديث : (( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان,كل ذي نعمة محسود )), ومن ترك التوجه ووثق بكل أحد, واطلع الناس على ما يخفي فلا يلومن إلا نفسه :
ولا تبد سرك إلا إليك فان لكل همام حسودا

سمعتك هي كنزك فحافظ عليها
قيمتك عند الناس هي سمعتك الحسنة وسيرتك الجميلة , فإياك من تلويثها أو تدنيسها ؛فان السمعة إذا سقطت فلن يصلحها مال ولن يعيدها منصب ؛ لان أعظم حصن لك في الحياة هي سيرتك العطرة وأخلاقك الشريفة , فلا تتهاون حتى في كلمة تخرجها والحركة تقوم بها , فان التصرفات تتراكم حتى تصبح كمّاً هائلاً من السوء والمقت ,فتهوى بصاحبها في الحضيض , أما سال إبراهيم عليه السلام ربه فقال:
(وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) , وما ذاك إلا لحسن الذكر وجميل الأحدوثة .
وكما قال ابن الوردي:
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى
وقال أبو الطيب:
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ما قاته وفضول العيش أشغالُ
وقال شوقي :
دقات قلب المرء قائلةً له إن الحياة دقائق وثواني
فاصنع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني
فاحذر ثم احذر على سمعتك وحُطها بدمك, واحفظها بروحك , ودافع عنها بسيرتك الجميلة وسجاياك العطرة

استفد من مواهب الآخرين ووزع الأعمال على غيرك
الإنسان طاقة محدودة لا تجتمع فيه القدرات كلها ولا المواهب جميعها, وإذا اشتهر وصارت له منزله ومكانة شُغل عن الإبداع ,فالأفضل أن يكون حوله طائفة من المبدعين ومتعددي المواهب, فيكلف كلاً بما يحسن العمل والقيام به , ويكون هو المستفيد ,فالمحدث يستفيد من تخريجه وتحقيقه ,والأديب يأخذ منه بلاغته وجمال أسلوبه, والفقيه يستشيره في مسائل الفتيا, والخطيب يكلُ إليه تقويم العبارة , وصاخب الرأي يعرض عليه المشاكل ويطلب الحل, إلى آخر هذه القائمة من أهل القدرات والمواهب أما أن يتولى هو بنفسه كل شيء ,فهذا فوق القدرة , ولا يتسع له الجهد ولا الزمان , وبذلك سوف يبقى إبداعه محفوظاً, وإنتاجه محدوداً,إذ دوره دور المراجعة والإشراف والكلمة الأخيرة , فهل يعقل إن المفتي يراجع كل حديث ومن خرجه وأقوال أهل العلم في سنده , ثم يعود إلى شروحه وجمع ما قالوا في معناه, وحصر أقوال العلماء في كل قضية مع الترجيح والتدليل والتعليل , هذا أمر لا يطاق ,فالأولى توزيع المهام على طلبة العلم, ويبقى للمفتي جمال الاختيار , وحسن التحقيق,وجودة الترجيح ,وقَس على هذا كل عمل يتطلب جهداً وإبداعاً.
أعمالك أفصح من يتحدث عنك واسكت أنت , فلا تُلقِ خطباً تتحدث فيها عن إنجازك وتفوقك وجميل سيرتك , فتبلى بمكذّب وحاسد , وتكون عرضة للسخرية والازدراء , ولكن قدِّمْ علماً حسناً جميلاً بديعاً, يسر الناظرين , وأعط مثلاً حيّاً من الأخلاق والسيرة الحسنة والسجايا الحميدة ,فهي أعظم شهادة على عظمتك, وسموك وعلو منزلتك. إن الفاشلين أكثر الناس أقوالاً واقلهم أعمالاً,فهم يتحدثون عن أعمالٍ وهمية , وعن منجزات خيالية ,ليكسبوا رضا الناس وإعجابهم ,فما يزدادون إلا مقتاً, لكن الناجحين يقدِّمون من النتاج الباهر الرائع ما يلفت الأنظار, ويخطف الأضواء,ويدهش العقول,إذن اصمت واعمل واسكت وابذل, فسوف تجد من أصحاب الضمائر الحية من يدعو لك , ويثني عليك, ويشيد بإعمالك الجليلة, وخصالك النبيلة ,والناس شهداء الله في أرضه, وقل لكل حاسد: الجواب ما تراه دون ما تسمعه .

أرى الناس من داناهموا هان عندهم
عن كثرة الاختلاط بالناس يرخص قيمة الإنسان , والناس لا يتمنون من يرونه كثيراً, فكثرة التداول ترخص السعر , وكما في الأثر: زُرْ غِبّا ًتزدد حبّاً, وفي المثل: خففْ درجَك يحلو حرجك ؛أي قلل زياراتك يكن لكلامك حلاوة , وقد نظمها الوردي فقال :
غب وزر غباً تزد حباً فمن أكثر الترداد أقصاه الملل
إن عليك أن تُبقي على قيمتك ومكانتك بلزوم بيتك واحتجابك بعض الزمن , وقد قالوا : العز في العزلة , وصدق القائل:
أرى الناس من داناهموا هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرما
إن كثرة غشيان الناس والتردد على مجالسهم وإجابة دعوتهم دليل على فراغ الروح وهزال الهمة , ولهذا تجد أراذل الناس يتعرضون للعامة في الأسواق والمنتديات والطرقات, ولا يملون الكلام والنظر في ما لا منفعة فيه,فاحزم أمرك ,واحفظ وقتك, وكف لسانك؛وليسمعك بيتك,وابكِ على خطيئتك, وجوِّ عملك , واهتم بشأنك , وحصن نفسك من التافهين , واحفظها من اللاغيين,( وإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ).

التركيز والكثافة أعظم من التوسع والانتشار
الإتقان والجودة طريق النجاح, والتفوق والتخصص في عمل وإتقانه أحسن من القيام بعدة أعمال مع قلة الجودة والإتقان, وما ابرع من برع إلا لأنه أتقن جانباً من جوانب العلم أو العمل أو الموهبة , وأما الذين توسعوا في عدة علوم وأعمال وفنون على حساب الإتقان فإنهم ضعفوا, وقل َّ عملهم , وتأخرت مرتباتهم , أما الذين تخصصوا فإنهم أتقنوا وأبدعوا , فمثلاً: البخاري صاحب الصحيح أتقن علم الحديث فصار آية في هذا الباب, والخليل مهر في اللغة فصار أعجوبة , وسيبويه جدَّ في علم النحو فصار مضرب المثل , والمتنبي جوّد الشعر فصار شاعر الدنيا , وأمثالهم كثر ,فهؤلاء لما تخصصوا أبدعوا فركزوا اهتمامهم , واعملوا أذهانهم فيما توجهوا إليه, فأتوا بالعجب العجاب , بخلاف غيرهم ممن توسعوا في العلوم والفنون ,فبعضهم أراد أن يكون مفسِّراً ومحدثاً وفقيهاً وأصولياً ولغوياً ونحوياً أديباً, فضعف في الجميع , وصار عطاؤه ضئيلاً ,وإتقانه هزيلاً. وأوصيك بان تعرف نفسك ومواهبك ثم تتجه بحزم وقوة إلى ما يسرك الله إليه من علم أو عمل, فتقبل عليه إقبال الجاد المتقن فتحسنه وتجوِّده ,ويكون شغلك الشاغل , خاصة إذا كان من العلوم والأعمال البارة الراشدة التي يبقى نفعها لك في الآخرة ,فلا توزع ذهنك , ولا تشتت اهتمامك , ولا تنس موهبتك, وأحذر أن تكون ممن قيل فيهم :
ومشتت العزمات ينفق عمره حيران لا ظفر ولا إخفاق
فخذ الكتاب بقوة ,واحزم أمرك , وابدأ على بركة الله , وسوف تجد النجاح حليفك , والتفويق رفيقك.
اصنع الصداقات ولا تنسج العداوات
العاقل الأريب هو الذي يستفيد الأصدقاء ويكسب الأعداء والأحمق البليد يؤلَّب الناس عليه ويحشد ضده ؛ لتصرفاته الرعناء ومواقفه المشينة ,فادفع بالتي هي احسن , وأحذر عداوة الناس , ومن لم تستطيع كسبه من الأعداء فحيده ولا تجعله حرباً عليك, فان العمر اقصر من أن يذهب بالعداوات والانتقام من الآخرين, ومن عرف الدنيا وتقلبات الدهر صعب عليه معاداة رجل واحد ,وقلّ عليه صداقة ألف, فلا تخاطر بحياتك في نسج العداوات وطلب الثارات , إلا من خالفك في الدين وحارب العالمين, فعداء مثل هذا عبادة بعد إقامة الحجة ودعوته إلى الحق واقامة الدليل عليه, فعليك بالرفق وحسن الخلق ولين الخطاب, وبذل المعروف وكفَّ الأذى , لتجد إخواناً واحباباً, وتسهل أمورك ويصلح حالك :
من سالم الناس يسلم من غوائلهم ونام وهو قرير العين جذلانُ

الانتقاد والتجني تقتل بالتجاهل والإعراض
إذا بليت بجهالٍ أو حساد ينالون منك وينتقدون أعمالك , فتجاهل نقدهم وتغافل عن كلامهم ولا تعرهم اهتماماً, حينها يموت كلامهم ويُنسى نقدهم ؛لان اعظم ما يذب عنك سيرتُك الجميلة واعمالك الناجحة , أما ردك عليهم فهو اعتراف منك بأهميتهم وأهمية ما يقولون , وهذا ما يريدون تحقيقه , حينها تكون قد عظمتهم وجعلت لهم قيمة , ولكلامهم وزناً, ومنطق القرآن يقول لاعداء الحقيقة : ( قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ), فلا تُضيع وقتك في تتبع ما يقال عنك من نقد , بل اهتم بحسن الإنتاج وبراعة الإبداع وقوة الطرح, حينها تصبُّ في أفواه هؤلاء الخردل, وما افصح أعمال الناجحين وما أقوى أصوات المبدعين , ولكن بلا ضجيجٍ, ولا شغبٍ, ولا سبَّ,و لا شتمٍ. إن المتفوق ليس عنده دقيقة واحدة يذهبها في الرد على التافهين ,والكلب الميت لا يرفس , والجالس على الأرض لا يسقط .
لاتكن جاهلاً بمن حولك
غافلاً عن واقعك فتعيش أعمى
الحكيم يكتشف ما حوله ويعرف واقعه ؛ ليحدد موقعه ويتدبر أمره , ويعلم ما ينبغي أن يقوم به من تصرفات, أما أن يحوط الإنسان نفسه بسياج من العزلة يحتجزه عما يدور في مجتمعه ,فهذا ليس من العقل ؛لان من أراد أن ينفع ويؤثر ويبدع فلا بد من أن يقرأ ما في أذهان الناس , ويلم بأخبارهم , ويكتشف أسرارهم , فيعرف الصادق من الكاذب , والعدو من الصديق , والمحب من المبغض ,فلا تلتبس عليه الأمور, ولا يؤخذ على غرة , فان البعيد عن أخبار الناس كالأعمى يحال بينه وبين القضايا المهمة ,فيكون جاهلاً غافلاً, فيضطرب تصوره, ويختل حكمه , وقد قرأت لاحد الزعماء الكبار وهو نيلسون مانديلا , وقد سجن في جنوب أفريقيا سبعاً وعشرين سنة, فكان يحرص على قراءة الصحف وهو في السجن ويبرر ذلك بقوله: لاكتشف أعدائي واعرف كيف يفكرون وماذا يريدون ؟, وهذا عين العقل , فلا تظن أن المعرفة ما يدور بأدق التفاصيل من تضييع الوقت ,بل هو من سداد الرأي والحنكة وحصافة العقل وبعد النظر, فكن على علمٍ بواقعك , وكن ملماً بعصرك ؛بأعلامه وساسته وعلمائه وأدبائه وشعرائه ومفكريه وكتابه, مطلعاً على المذاهب والنحل والأفكار ,عارفاً بالجماعات والأحزاب والمنظمات , ولو في الجملة ؛ليكون تصورك صحيحاً, وحكمك عادلاً, ورأيك صواباً.
كن جريئاً في اقتحام المواقف
وصعود سلم المجد والوثوب إلى المعالي

من صفات المبدع الناجح انه شجاع, يتقدم بغير هياب , يغوض غمار الحياة غير جبان , فتجد عنده من القدرة على المواقف ما ليس عند غيره ؛ كالخطابة في الجموع الهادرة , والرد على الكبار , وعدم المبالاة بالنقد, والقيام بمشاريع تفوق الخيال, والتخطيط لاعمال تدهش العقول , فليس عنده تهيب ولا وسوسة ولا تخاذل , أما الجبان فكم فكر وقدر , ثم عبس وبسر,ثم خطط,ثم تحفظ, ثم خاف ,ثم تراجع ,فهو ميت العزيمة ,مريض الهمة ,ضعيف الإرادة ,له تقديرات خاصة , وله تبريرات معروفة : ( لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) , (ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي),( شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا), فهو يعتذر بحرارة الصيف , وبرد الشتاء , وحاجة الأهل , وبعد الشقة, وطول الطريق, وعنده قائمة طويلة من الأعذار ,سواءً في العلوم أو الأعمال أو الإنتاج أو المواهب ,بخلاف الناجح فهو طاقة جبارة ,وهمة عارمة ,وعزيمة ماضية ,قد ملأ الزمان والمكان عطاءً وخيراً ونفعاً, وهو يتمنى طول العمر لينفع ويقدم وينتج:
يود أن ظلام الليل دام له وزيد فيه سواد القلب والبصرٍ
فتقدم أيها الناجح وغامر ولا تخف ,فما أدرك المجد خائف, وما نال العلى جبان:
فحب الجبان العيش أورده البقا وحب الشجاع الحرب أورده الحربا

خطط لاعمالك من أول الطريق إلى نهايته
عليك بعمل خطته طويلة لاعمالك , مع خطط قصيرة لأيامك, فالخطة العامة المجملة خطوط عريضة لمشاريعك وطموحاتك, والخطط القصيرة فهي التفاصيل والدقائق لما يمكن أن تقوم به , المهم أن تخطط لكل جزئية فلا تمل من الدراسة والمراجعة والمحاسبة, لتكن كل خطوة مدروسة , وهذا يأتي بطول الأناة والمشاورة والمراجعة , وليس للمبدع أن يقوم بأعماله كيفما اتفق , وان يكون رهن للمواقف, ولكنه يعمل ويبادر الآخرين بأعماله وإبداعه, وكلمته المحببة عندهم: ( النظام : النظام).

خاطب الناس في مصالحهم
ولا تستجدِ رحمتهم وعطفهم
الناس في الغالب لا ينشدون إلا مصالحهم ولا يبحثون ألا عن متطلباتهم , وغالبهم ذئاب في ثياب بشر , فلا تظن حينما تقوم بمشروع ما وتطلب عونهم انهم سوف يهبُّون لنجدتك, ويضحُّون من اجل سواد عينيك بأموالهم وجهودهم وراحتهم , لا .. هذا وهم , بل خاطب مصالحهم وما يمكن ان تعود عليهم هذه الأعمال من نفع, حينها استدر كرمهم , أما ان تكتفي بإظهار المسكنة وطلب الرحمة منهم ومدِّ يد العون بلا مقابل , فهذا في الغالب يذهب إدراج الرياح , لكن إذا قصدت شخصاً ليعينك في مشروع فابحث عن مصلحة لهذا الشخص في هذا المشروع؛ كربح مالي, أو مكانة اجتماعية, أو حصول تسهيلات, أو فرص عمل.

لا ترهن مستقبلك بأحد ولا تلتزم بفئة خاصة
لا تنحز إلى طرف من الأطراف في المسائل التي تقبل الخلاف ويتسع فيها الرأي ؛لأنك بذلك تخسر أطرافاً كثيرة, وتحجِّم وتضيًِق دائرة أصدقائك, وما الداعي لان تحمل لافتةً تقول: أنا مع فلان وانصر فلاناً وأعادي فلاناً؟!, عن هذا لهو الحمق!.. نعم نحن في الحقيقة الكبرى والملة الغراء مع محمد صلى الله عليه وسلم , ومع جند الله سبحانه وتعالى , لكن في اختلافنا وتنوع مشاربنا وتعدد آرائنا فان الحكمة جمع الصف وتوحيد الكلمة, أما التحيز إلى فئة أو جماعة أو شخص ,فهذا معناه التحيز ضد الأخر , واستعداء الكثير , وتضييق الواسع,فكن مع الجماعة , واعمل مع الكل – فيما لا محذور فيه- ؛لان هناك أصولاً مشتركة يمكن أن تجمعك بالجمع الغفير , وهذا ما يوصي به العقلاء , وهو عين الحكمة وخلاصة التجارب.

لا تظهر عداوتك لأحد وابذل بشرك للناس
العاقل لا يظهر عداوته لأحد ولو كان عدوّاً له في الحقيقة؛ لأنه فائدة من إظهار العداوة , ولان معنى ذلك إعلان الحرب على العدو وأخباره بهذه العداوة حتى يتهيأ ويرسم الخرط ويكون مستعدا, ثم انه لا يعلم العواقب إلا الله وحده, فقد ينقلب العدو صديقاً مثلما ينقلب الصديق عدواً, فاظهرْ البشر والبشاشة لكل أحد , فالصديق يستأهل هذا واكثر, والعدو تفتَّ في عضده ابتسامتُك وتخلط أوراقه , وقد تستدر عطفَه, وتغير موقفه , ويبقى في حيرة , فان كان مصممِّاً على عداوته, فان هذه البسمة والبشاشة بحسن اللقاء تزيدك قوة وتجعلك متحكّماً في الوضع ,وإن كنت مقبلاً على مصافته فهذه خطوة في الطريق, وما رأيت أحد يُظهر العداوة للناس ألا لقلة عقله وضعف رائيه , فلا فائدة من كشف المكنون ولا مصلحة من تعبيث الوجه, وما هكذا تبدأ عداوات الرجال, فهم ابعد غوراً, واعمق تصرفاً من مجرد حركاتٍ صبيانية, وتصرفات رعناء ٍ .

العيّاب السبّاب بعيدً عن الصواب والثواب
العاقل الرشيد يحفظ لسانه ويقيد ألفاظه؛ فلا يجرح الأعراض , ولا يلتمس المعايب, ولا يفرح بالزلات, بخلاف السيئ السبّاب العيّاب ؛ فهو مشغول بعثرات الناس وغلطاتهم , لا يعجبه أحد, ولا يثني على أحد , ولا يفرح بنجاح أحد, وحده هو المصيب, ووحده هو البريء من المعايب, تجده مشغولاً بالقدح والجرح, والسب والشتم, والاستهزاء والسخرية, فهو أما قادح في عالم ,أو ساب لكريم , أو شاتم لجماعة, أو مستهزئ بمؤسسة , أو ساخر من عمل, أو معترض على رأي, أو منتقد لكتاب , أو جامع لخطاء , أو مكتشف لأغلاط, أو عاثر على أوهام, ويظن- من ضعف بصيرته- انه ملهم مسدد مصيب , وهو مخذول ارعن , ومثل هذا لا يوفق في حياته , ولا يسدد في ارائه ,ولا يصيب في كلامه؛ لان من أوقف حياته على شتم الناس وسب العالم حقيقٌ ان يرتد عليه قوسه, ويقتل بسيفه , ويُعامل من جنس فعله؛جزءاً وفاقاً, هذا في الدنيا, أما في الآخر فان للناس أعراضاً يجب ان تُصان , إلا ما استثنى الشرع , فمن تعرض لهذه الإعراض إثم , فويل لمن هانت عليه نفسُه حتى أهدى ثوابه للناس وبقي محروماً!
من صمت نجا
هذا حديثٌ حسن رواه احمد , وهو يدلك على ان غالب الصمت معه النجاة والسلام, وأكثر المتآلف والمعاطب مع الكلام, فكم من كلمة عثرت بصاحبها, وكم من جملة قطعت عنق قائلها , فتكلمْ بما فيه مصلحة , وقلّلْ من كلامك وزِنْ عبارتك تكون محبوباً مقبولاً, ولا تهرف بما لاتعرف, أو تكثر من الهذيان في كل مجمع , فتكون مثار السخرية والاستصغار , بل اقتصد في القول, وتكلم إذا طلب منك , ولا تُكره الناس على سماع نصائحك ودروسك ونظرياتك , فإن من العيب (تَقليد) الخنازير جواهر الحكمة , بل اجعل كلامك نادرٍ عزيز غالياً مطلوباً, ولا ترخصه بالتبذل والإكثار والإملال , فيصبح عادياً سوقيا , وحاول ان تختار اشرف المعاني في اجزل الألفاظ , واثمن المقاصد في أبهى الحلل , لتكون محبوباً محترماً.

اجعل لحياتك هدفاً
أسال نفسك ما الهدف الذي أريد تحقيقه في الحياة؟ وحينما تحدث نفسك بهذا السؤال فاعلم ان النجاح حليفك, لكن هذا الهدف لابد ان يكون هدفاً خيراً نبيلاً, أما ان عشت بلا هدف,فسوف تعيش حياة كلها ملل وضجر ؛لانه لا معالم لها ,فمثلك كمثل الذي يمشي في صحراء شاسعة ليس فيها منارات ولا أودية ولا جبال, إذ فحدد من الآن الهدف الذي تريد تحقيقه ,ثم سلط قدراتك على إنجازه, وحدِّث نفسك به دائماً, وقد قرأت ان المصلحين والعلماء والعباقرة كان أحدهم يقول في شبابه: أريد ان أكون مصلحاً, أو مجدداً, أو مخترعاً,ثم يبدأ بجمع طاقته وجهده في السعي لنيل هذا الهدف ,سواءً بالتعلم او الحفظ , أو إجراء التجارب, أو كتابة البحوث ,أو القيام بالدراسات ,وحينها لا تمر سنوات إلا وقد تحقق الهدف .


رد مع اقتباس

 

منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 15-03-2011, 03:02 PM   #2

شايل جروحي بروحي 2010

جامعي

الصورة الرمزية شايل جروحي بروحي 2010

 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
التخصص: علوم حاسبات (CS)
نوع الدراسة: إنتظام
المستوى: الرابع
الجنس: ذكر
المشاركات: 755
افتراضي رد: حصاد الصيف للدكتور عائض القرني

الله يـعطيك العافية
جزاك الله خير

 

 

(النجاح الوحيد في الحياة هو أن تستطيع أن تحيا حياتك بالطريقة التي تريدها )
( إن التفكير أصعب الأعمال وهذا هو السبب في أن القليلين هم الذين يختارونه كعمل )

 

شايل جروحي بروحي 2010 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 15-03-2011, 10:56 PM   #3

الحلم..!

_s2so

الصورة الرمزية الحلم..!

 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
كلية: كلية طب الاسنان
التخصص: Đêйт
نوع الدراسة: إنتظام
المستوى: التاسع
البلد: جــــدة
الجنس: أنثى
المشاركات: 2,709
افتراضي رد: حصاد الصيف للدكتور عائض القرني

جزاك الله خير ,,

 

توقيع الحلم..!  

 

الحمد لله دآئماإ وَ آبدآ نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

الحلم..! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز منتديات طلاب وطالبات جامعة الملك عبد العزيز
قديم 16-03-2011, 01:25 AM   #4

وفاء جدة

مشرفة مُتألقة سابقة

الصورة الرمزية وفاء جدة

 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
كلية: كلية العلوم
التخصص: كيمياء حيوي
نوع الدراسة: متخرج - انتظام
المستوى: متخرج
البلد: جــــدة
الجنس: أنثى
المشاركات: 14,804
افتراضي رد: حصاد الصيف للدكتور عائض القرني

جزاك الله خير على الموضوع الشـيق...

 

توقيع وفاء جدة  

 

.
.

 

وفاء جدة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


الساعة الآن 04:49 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

أن كل ما ينشر في المنتدى لا يمثل رأي الإدارة وانما يمثل رأي أصحابها

جميع الحقوق محفوظة لشبكة سكاو

2003-2023